٦{وَمَآ أَفَآءَ اللّه} : ردّ اللّه {عَلَى رَسُولِهِ} ورجع إليه، ومنه فيء الظل {مِنْهُمْ} من بني النضير من الأموال {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ} : أوضعتم {عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} وهي الإبل، يقول : لم يقطعوا إليها شقة، ولم ينالوا فيها مشقّة ولم يكلّفوا مؤونة ولم يلقوا حرباً وإنّما كانت بالمدينة فمشوا إليها مشياً، ولم يركبوا خيلا ولا إبلا إلاّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فإنّه ركب جملا فافتتحها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلحاً وأجلاهم عنها وأحرز أموالهم، فسأل المؤمنون النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) القسمة، فأنزل اللّه سبحانه {ما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}. {وَلَاكِنَّ اللّه يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} فجعل أموال بني النضير لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خاصّة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول اللّه (عليه السلام) بين المهاجرين ولم يعطِ الأنصار منها شيئاً إلاّ ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحرث بن الصمة، ولم يسلم من بني النضير إلاّ رجلان : أحدهما سفيان بن عمير بن وهب، والثاني سعيد بن وهب وسلما على أموالهما فأحرزاها. أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا حامد بن محمّد قال : أخبرنا بشر بن موسى قال : حدّثنا الحميد قال : حدّثنا سفيان قال : حدّثنا عمرو بن دينار ومعمر بن راشد، عن ابن شهاب الزهري أنّه سمع مالك بن أوس بن الحدثان البصري يقول : سمعت عمر بن الخطاب ح يقول : إنّ أموال بني النضير كانت مما أفاء اللّه على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خالصاً، فكان رسول اللّه (عليه السلام) ينفق على أهله منه نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدّة في سبيل اللّه. أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن حمدون قال : أخبرنا أحمد بن محمّد بن الحسن قال : حدّثنا محمّد ابن يحيى قال : حدّثنا محمّد بن يوسف قال : حدّثنا ابن عيينة، عن معمر، عن الزهري قال : وأُخبرت عن محمّد بن جرير قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عبد الأعلى قال : حدّثنا أبو ثور، عن معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : أرسل إليّ عمر بن الخطاب فدخلت عليه، فقال : إنّه قد حضر أهل ثبات من قومك، وأنّا قد أمرنا لهم برضخ فاقسمه بينهم. فقلت : يا أمير المؤمنين، مر بذلك غيري. قال : اقبضه أيّها المرء. فبينا أنا كذلك إذ جاء مولاه يرفأ فقال : عبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان وسعد يستأذنون. فقال : ايذن لهم. ثم مكث ساعة، ثم جاء فقال : هذا علي والعباس يستأذنان. فقال : ايذن لهما. فلمّا دخل العباس قال : يا أمير المؤمنين، اقضضِ بيني وبين هذا الغادر الفاجر الخائن. وهما حينئذ يختصمان فيما أفاء اللّه عزّوجل على رسوله من أموال بني النضير. فقال القوم : اقضضِ بينهما يا أمير المؤمنين وأرح كلّ واحد منهما من صاحبه، فقد طالت خصومتهما. فقال : أنشدكم باللّه الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض، أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (لا نورّث، ما تركناه صدقه). قالوا : قد قال ذلك. ثم قال لهما : أتعلمان أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال ذلك؟ قالا : نعم. قال : فسأخبركم بهذا الفيء، إنّ اللّه سبحانه خصّ نبيّه (عليه السلام) بشيء لم يعطِ غيره فقال : عزّ من قائل : {وَمَآ أَفَآءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} فكانت هذه لرسول اللّه (عليه السلام) خاصّة، فواللّه ما اختارها دونكم ولا استأثرها دونكم، ولقد قسّمها عليكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ينفق على أهله منها سنتهم ثم يجعل ما بقي في مال اللّه، عزّوجل. |
﴿ ٦ ﴾