٣{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ يَحْتَسِبُ} لا يرجو ولا يتوقع. قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنّ المشركين أسروا ابناً له يسمّى : سالماً، فأتى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يا رسول اللّه إنّ العدوّ أسر ابني وشكا إليه أيضاً الفاقة، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما أمسى عند آل محمد إلاّ مُدْ فاتّق اللّه واصبر وأكثر من قول : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه) ففعل الرجل ذلك، فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فأصاب إبلا وجاء بها إلى أبيه وكان فقيراً وقال الكلبي في رواية يوسف بن مالك : قدم ابنه ومعه خمسون بعيراً. أخبرنا عبد اللّه بن حامد أخبرنا محمد بن عامر البلخي، حدّثنا القاسم بن عبّاد، حدّثنا صالح بن محمد الترمذي، حدّثنا أَبُو علي غالب عن سلام بن سليم عن عبد الحميد عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يا رسول اللّه إنّ ابني أسره العدو وجزعت الأُم، فما تأمرني ؟ قال : (اتّق اللّه واصبر) وآمرك وإيّاها أن تستكثر من قول : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه). فانصرف إليها وقالت : ما قال لك النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : أمرني وإياك أن نستكثر من قول : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه، قالت : نِعْمَ ما أمرك به، فجعلا يقولان فغفل عنه العدو فساق غنمهم فجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} ما ساقَ من الغنيمة. وقال مقاتل : أصاب غنماً ومتاعاً ثمّ رجع إلى أبيه فانطلق أبوه إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فأخبره الخبر وسأله الحلّ له وأن يأكل ما أتاه به ابنه، فقال النبي (عليه السلام) : (نعم) وأنزل اللّه تعالى هذه الآية. أخبرنا إبن فنجويه الدينوري، حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن شيبة، حدّثنا بن وهب، أخبرنا عبد اللّه بن إسحاق، حدّثنا عَمرو بن الأشعث، حدّثنا سعد بن راشد الحنفي، حدّثنا عبد اللّه بن سعيد بن أبي هند عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال : قرأ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال : مخرجاً من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة). وقال إبن مسعود ومسروق : {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} هو أن يعلم أنّه من قِبَل اللّه، وأنّ اللّه تعالى رازقه وهو معطيه ومانعه. الربيع بن خيثم : {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} من كلّ شيء ضاق على الناس. أَبُو العالية : مخرجاً من كلّ شدّة. الحسن : مخرجاً عمّا نهاه عنه. الحسين بن الفضل : {وَمَن يَتَّقِ اللّه} في أداء الفرائض {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} من العقوبة ويرزقه الثواب من حيث لا يحتسب. وقال الصادق : ( {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ يَحْتَسِبُ} يعني يبارك له فيما آتاه). وقال سهل : {وَمَن يَتَّقِ اللّه} في اتّباع السُّنّة {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} من عقوبة أهل البدع، ويرزقه الجنّة من حيث لا يحتسب. عَمرو بن عثمان الصدفي : ومن يقف عند حدوده، ويحتسب معاصيه يخرجه من الحرام إلى الحلال، ومن الضّيق إلى السعة، ومن النّار إلى الجنّة. أَبُو سعيد الخرّاز : ومن يتبرأ من حوله وقوّته بالرجوع إليه يجعل له مخرجاً ممّا كلّفهُ بالمعونه له. علي بن صالح : {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} يقنّعه برزقه، وقيل : ومن يتّق اللّه في الرزق وغيره بقطع العلائق يجعل له مخرجاً بالكفاية ويرزقه من حيث لا يحتسب. أخبرنا أَبُو عبد اللّه بن فنجويه، أخبرنا أَبُو مكي بن مالك المطيعي، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدّثنا معتمر عن كهمس عن أبي السليل عن أبي ذر قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّي لأعلم آيةً لو أخذ بها النّاس لكفتهم {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} فما يزال يقولها ويعيدها). ويحكى أنّ رجلا أتى عمر بن الخطّابح فقال : ولّني مما ولاّك اللّه قال أتقرأ القرآن ؟ قال : لا. فقال : إنّا لا نولّي من لا يقرأ القرآن، فانصرف الرجل واجتهد في تعلّم القرآن رجاء أن يعود إلى عمر فيولّيه عملا، فلمّا تعلم القرآن تخلّف عن عمر، فرآه ذات يوم فقال : يا هذا هجرتنا، فقال : يا أمير المؤمنين لست ممّن يهجر، ولكنّي تعلّمت القرآن فأغناني اللّه تعالى عن عمر وعن باب عمر. فقال : أيُّ آية أغنتك، فقال : قول اللّه تعالى : {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقهُ من حيثُ لا يحتسب} . أخبرنا عبد اللّه بن حامد بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن عّدوس، أخبرنا عثمان بن سعيد الرّازي، حدّثنا مهدي بن جعفر الرّملي، حدّثنا الوليد بن مسلم عن الحكم بن مصعب عن محمد بن علي عن عبد اللّه بن عباس عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من أكثر الاستغفار جعل اللّه له من كل همَ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقهُ من حيثُ لا يحتسب). {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه} فيثق به ويسكن قلبه إليه في الموجود والمفقود. {فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّه بَالِغُ أَمْرِهِ} قرأ العامة بالغ بالتنوين {أَمْرِهِ} النّصب : أي منفِّذٌ أمرَه ممضى في حلقة قضائه، وقرأ طلحة بن مضر : بالغ أمره على الإضافة، ومثلهُ روى حفص والمفضل عن عاصم. وقرأ داود بن أبي هند : بالغ بالتنوين أمره : رفعاً. قال الفراء : أي أمرهُ بالغ. قال عبد الرحمن بن نافع : لما نزلت {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه فَهُوَ حَسْبُهُ} قال أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حسبنا اللّه إذا توكلنا عليه؛ فنحن ننسى ما كان لنا ولا نحفظهُ، فأنزل اللّه تعالى {إِنَّ اللّه بَالِغُ أَمْرِهِ} يعني منكم وعليكم. {قَدْ جَعَلَ اللّه لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا} حداً وأجلا ينتهي إليه. قال مسروق : في هذه الآية {إِنَّ اللّه بَالِغُ أَمْرِهِ} توكل عليه أو لم يتوكل، غير أنّ المتوكل عليه يكفِّر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا. قال الربيع : إنّ اللّه تعالى قضى على نفسه أنّ من توكل كفاهُ، ومن آمن به هداهُ، ومن أقرضهُ جازاهُ، ومن وثق به نجّاه، ومن دعاهُ أجاب له، وتصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى : {ومن يؤمن باللّه يهدِ قلبهُ ومن يتوكل على اللّه فهو حسبهُ وإنْ تقرضوا اللّه قرضاً حسناً يضاعفه لكم ومن يعتصم باللّه فقد هُدي إلى صراط مستقيم وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...} . |
﴿ ٣ ﴾