١٠

{وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ} اختلفوا فيه فقال بعضهم : أراد ذا الجنود والجموع الذين يقوّون أمره ويسدّدون مملكته،

وسمّي الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتّدونها في أسفارهم،

وهي رواية عطية عن ابن عبّاس.

وقال قتادة : سمّي ذا الأوتاد؛ لأنّه كانت له مظال وملاعب وأوتاد يُضرب له فتلعب له تحتها،

وقال محمد بن كعب : يعني ذا البناء المحكم،

وقال سعيد بن جبير : كان له منارات يعذّب الناس عليها،

وقال مجاهد وغيره : كان يعذّب الناس بالأوتاد،

وكان إذا غضب على أحد مدّهُ على الأرض وأوتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا مخلد قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا إسحاق بن بشير عن ابن سمعان عن عطاء عن ابن عبّاس أنّ فرعون لمّا قيل له : ذو الأوتاد أنّه كان امرأة وهي امرأة خازنه خربيل بن نوحابيل وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة،

وكان لقي من لقى من أصحاب يوسف،

وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هي ذات يوم تمشّط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت : تعس من كفر باللّه،

فقالت بنت فرعون : وهل لكِ من إله غير أبي؟

فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له. فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي قال : ما يبكيك؟

قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أنّ إلهك وإلهها وإله السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له. فأرسل إليها فسألها عن ذلك،

فقالت : صدقت. فقال لها ويحك : اكفري بإلهك وأقري أني إلهك،

قالت : لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب فقال لها : اكفري باللّه وإلاّ عذبتك بهذا العذاب شهرين،

قالت : واللّه لو عذّبتني سبعين شهراً ما كفرت باللّه تعالى.

قال : وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها،

وقال لها : اكفري باللّه وإلاّ ذبحت ابنتك الصغرى على فيك،

وكانت طفلة رضيعة تجد بها وجداً شديداً فقالت : لو ذبحت من على الأرض على فيّ ما كفرتُ باللّه تعالى.

قال : فأتى بابنتها فلمّا أن قُدّمت منها واضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة،

فأطلق اللّه لسان ابنتها فتكلّمت وهي من الأربعة الذين تكلّموا أطفالاً،

فقالت : يا أُمّاه لا تجزعي فإنّ اللّه سبحانه قد بنى لكِ بيتاً في الجنّة،

اصبري فإنّك تمضين إلى رحمة اللّه سبحانه وكرامته،

قال : فذبحت فلم تلبث أن ماتت وأسكنها اللّه سبحانه الجنّة.

قال : وبعث في طلب زوجها خربيل فلم يقدروا عليه،

فقيل لفرعون : إنّه قد رُئي في موضع كذا وكذا في جبال كذا وكذا،

فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلّي وثلاثة صفوف من الوحش خلفه يصلّون،

فلمّا رأيا ذلك انصرفا،

وقال خربيل : اللّهم إنّك تعلم أنّي كتمتُ إيماني مائة سنة،

ولم يظهر عليّ أحدٌ فأيّما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله،

وأيّما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجّل عقوبته في الدُّنيا،

واجعل مصيره في العاقبة إلى النار،

فانصرف الرجلان إلى فرعون فأمّا أحدهما فاعتبر وآمن،

وأمّا الآخر فأخبر فرعون بالقصّة على رؤوس الملأ،

فقال له فرعون : وهل كان معكَ غيرك؟

قال : نعم.

قال : ومَنْ كان معك؟

قال : فلان. فدعى به. فقال : حقٌّ ما يقول هذا؟

قال : لا، ما رأيت ممّا قال شيئاً. فأعطاه فرعون وأجزل،

وأمّا الآخر فقتله ثمّ صلبه.

قال : وكان فرعون قد تزوّج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسيا بنت مزاحم،

فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما أتى فرعون وأنا مسلمة وهو كافر،

فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها فقالت : يا فرعون أنت شرّ الخلق وأخبثه عمدت إلى الماشطة فقتلتها،

فقال : فلعلّ بك الجنون الذي كان بها.

قالت : ما بي من جنون،

وإن إلهي وإلهها وإلهكَ وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فمزّق عليها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما فقال لهما الأمر،

بأنّ الجنون الذي كان بالماشطة أصابها فقالت : أعوذ باللّه من ذلك،

إنّي أشهد أنّ ربّي وربّك وربّ السماوات والأرض واحد لا شريك له،

فقال أبوها : يا آسية ألست خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق؟

قالت : أعوذ باللّه من ذلك إن كان ما تقول حقّاً،

فقولا له : يتوّجني تاجاً يكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله،

فقال لهم فرعون : أخرجا عنّي فمدّها بين أربعة أوتاد يعذّبها،

وفتح اللّه سبحانه لها باباً إلى الجنّة ليهوّن عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت : {رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} يعني من جماع فرعون {وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني من فرعون وشيعته،

فقبض اللّه سبحانه روحها وأسكنها الجنّة.

وقيل : الأوتاد عبارة عن ثبات مملكته وطول مدّته وشدّة هيبته،

كثبوت الأوتاد في الأرض كقول الأسود :

في ظل ملك ثابت الأوتاد

﴿ ١٠