٣

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} فإنك حينئذ لاحق به وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل،

وعند الكمال يرتقب الزوال كما قيل.

إذا تم أمرٌ نقصه

توقع زوالا إذا قيل تم

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم فقال عبد الرحمن بن عوف : أتأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله،

فقال : إنه ممن قد علمتم،

قال ابن عباس : فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم فسألهم عن قول اللّه سبحانه : {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه وَالْفَتْحُ} الآية ولا أراه سألهم إلاّ من أجلي،

فقال بعضهم : أمر اللّه نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه،

فسألني فقلت : ليس كذلك ولكن أخبر نبي اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بحضور أجله ونعيت إليه نفسه،

فذلك علامة موته. فقال عمر : ما أعلم منها إلاّ مثل ما تعلم،

ثم قال : كيف تلومونني عليه بعد ما ترون.

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا محمد بن جعفر المطيري قال : حدّثنا ابن فضل قال : حدّثنا عطاء عن سعيد عن ابن عباس قال : لما نزلت {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه وَالْفَتْحُ} قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (نعيت إليّ نفسي) بأنّه مقبوض في تلك السنة،

وقال مقاتل وقتادة : عاش النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بعد نزول هذه السورة سنتين.

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا محمد بن جعفر قال : حدّثنا علي بن حرب قال : حدّثنا أبو عامر العقدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبدة عن عبد اللّه قال : لما نزلت {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} كان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يكثر أن يقول (سبحانك اللّهم وبحمدك أغفر لي إنك أنت التواب).

وأخبرنا عبد اللّه قال : أخبرني مكي قال : حدّثنا عبد اللّه بن هاشم قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضى اللّه عنها قالت : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يكثر أن يقول قبل أن يموت : (سبحانك اللّهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك) فقلت : يا رسول اللّه ما هؤلاء الكلمات التي أراك قد أحدثتها بقولها؟

قال : (جعلتها علامة في أمتي أذا رأيتها قلتها إذا جاء نصر اللّه والفتح) الى آخر السورة.

وبه عن ابن هاشم قال : حدّثنا عبد اللّه بن نمير قال : أخبرنا الأعمش عن مسلم وهو ابن صبيح عن مسروق عن عائشة رضى اللّه عنها وعن أبيها قالت : لما نزلت {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه وَالْفَتْحُ} الى آخرها ما رأيت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) صلّى صلاة ألا قال : (سبحانك اللّهم وبحمدك اللّهم أغفر لي).

وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدثنا إبراهيم بن سهلويه قال : حدثنا علي بن محمد الطنافسي قال : حدّثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن الشعبي عن أم سلمة قالت : كان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بآخره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال : (سبحان اللّه وبحمده أستغفر اللّه وأتوب إليه) فقلنا : يارسول اللّه لا تقوم ولا تقعد ولا تجيء ولا تذهب إلا قلت : سبحان اللّه أستغفر اللّه وأتوب إليه قال : (فإني أُمرت بها) ثم قرأ {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه وَالْفَتْحُ} حتى ختمها.

وقال : مقاتل : لما نزلت هذه الآية قرأها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) على أصحابه وفيهم أبو بكر وعمر وسعيد بن أبي العاص ففرحوا واستبشروا،

وسمعها العباس فبكى فقال له النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (وما يبكيك ياعم) قال : نعيت إليك نفسك قال : (إنه لكما تقول) فعاش بعدها سنتين ما رُئي فيهما ضاحكاً مستبشراً،

وهذه السورة تسمّى سورة التوديع.

أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد اللّه بن يوسف قال : حدّثنا محمد بن عمران قال : حدّثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب قال : حدّثنا إسحاق بن عبد اللّه بن كيسان قال : حدّثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس قال : أقبل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من غزوة حنين فنزل عليه {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه وَالْفَتْحُ} السورة،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يا علي ويا فاطمة بنت محمد قد جاء نصر اللّه والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً سبحان ربي وبحمده وأستغفره أنه كان توباً ويا علي بن أبي طالب إنه يكون من بعدي في المؤمنين الجهاد)،

فقال علي : ما نجاهد المؤمنين الذين يقولون آمنا؟

قال : (على الإحداث في الدين إذا عملوا بالرأي،

ولا رأي في الدين إنَّما الدين من الرب أمره ونهيه).

فقال علي : يا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أرأيت إن عرض لنا أمر لم يبيّن اللّه فيه قرآناً ولم ينصّ فيه سنّة منك؟

قال : (تجعلونه شورى بين العابدين ولا تقضون برأي خاصة ولو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحق منك لقدمك في الإسلام وقرابتك من رسول اللّه وصهرك وعندك فاطمة سيدة نساء المؤمنين،

وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب إياي حين نزل القرآن فأنا حريص على أن أرعى ذلك في ولده).

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا مكّي قال : حدّثنا أحمد بن منصور المروزي أبو صالح قال : حدّثني أحمد بن المصعب المروزي قال : حدّثنا عمر بن إبراهيم قال : حدّثنا عيسى ابن علي بن عبد اللّه بن عباس عن أبيه عن جده قال : لما نزلت {إذا جاء نصر والفتح} جاء العباس الى عليح فقال : أدخل على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فإن كان هذا الأمر من بعده لنا لم تشاحنا عليه قريش،

وإن كان للغير سألته الوصاة بنا،

قال : سأفعل،

قال : فدخل العباس على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مسّراً فذكر ذلك له فقال له النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (يا عباس يا عم رسول اللّه إن اللّه جعل أبا بكر خليفتي على دين اللّه سبحانه ووحيه فأسمعوا له تفلحوا وأطيعوه تُرشدوا).

قال ابن عباس : فقعدوا واللّه فرشدوا.

﴿ ٣