٥٤

قوله جلّ ذكره : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ } .

أي ما أضررتم إلا بأنفسكم فيما ارتكبتم من ذنوبكم ، فأمَّا الحق سبحانه فعزيز الوصف ، لا يعود إلى عِزِّه من ظلم الظالمين شيء ، ومن وافق هواه واتَّبع مناه فَعِجْلُه ما علَّق به همَّه وأفرد له قصده .

قوله جلّ ذكره : { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ } .

الإشارة إلى حقيقة التوبة بالخروج إلى اللّه بالكلية .

قوله جلّ ذكره : { فَاقتُلُوا أَنفُسَكُمْ } .

التوبة بقتل النفوس غير ( . . . ) إلا أن بني إسرائيل كان لهم قتل أنفسهم جهراً ، وهذه الأمة توبتهم بقتل أنفسهم في أنفسهم سراً ، فأَوَّلُ قَدَمِ في القصد إلى اللّه الخروجُ عن النفس .

فصل : ولقد توهم الناس أن توبة بني إسرائيل كانت أشق ، ولا كما توهموا؛ فإن ذلك كان مقاساة القتل مرة واحدة ،

وأمَّا أهل الخصوص من هذه ( الأمة ) ففي كل لحظة قتل ، ولهذا :

ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء

وقتل النفس في الحقيقة التبري عن حوْلِها وقوتها أو شهود شيءٍ منها ، ورد دعواها إليها ، وتشويش تدبيرها عليها ، وتسليم الأمور إلى الحق - سبحانه - بجملتها ، وانسلاخها من اختِيارها وإرادتها ، وانمحاء آثار البشرية عنها ، فأمَّا بقاء الرسوم والهياكل فلا خطرَ له ولا عبرةَ به .

قوله جلّ ذكره : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .

كونه لكم عنكم أتمُّ من كونكم لأنفسكم :

﴿ ٥٤