١٩٠

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاختِلاَفِ الَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِيَامًا وقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } .

الآيات التي تعرَّف الحق سبحانه وتعالى بها إلى العوام هي التي في الأقطار من العبَرِ والآثار ، والآيات التي تعرَّف بها إلى الخواص فالتي في أنفسهم . قال سبحانه : { سَنُرِيَهُمْ آيَاتِنَا فِى الآفاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ }[ فصلت : ٥٣ ] ؛ فالآيات الظاهرة توجِب علم اليقين ، والآيات الباطنة توجِب عين اليقين .

والإشارة من اختلاف الليل والنهار إلى اختلاف ليالي العباد؛ فليالي أهل الوصلة قصيرة ، وليالي أهل الفراق طويلة؛ فهذا يقول :

شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصافٍ لهن ولا سِرار

ويقول :

صباحك سكر والمساء خمار ... فنمت وأيام السرور قصار

والثاني يقول :

ليالي أقر الظاعنين ( . . . ) ... شَكَوْتَ وليلُ العاشقين طويلُ

وثالث ليس له خبر عن طول الليل ولا عن قِصَرِه فهو لِمَا غَلَبَ عليه يقول :

لستُ أدري أطال لَيْلِيَ أمْ لا؟ ... كيف يدري بذاك من يَتَقَلَّى؟!

لو تَفَرَّغْتُ لاستطالةِ لَيْلِي ... ورعَيْتُ النجوم كنتُ مُحِلاَّ

قوله تعالى : { لأُوْلِى الأَلْبَابِ } : أولو الألباب هم الذين صَحَتْ عقولُهم من سِكْر الغفلة . وأمارة مَنْ كان كذلك أن يكون نظرُه بالحق؛ فإذا نظر من الحقِّ إلى الحقِّ استقام نظره ، وإذا نظر من الخَلْق إلى الحق انتكست نعمته ، وانقلبت أفكاره مُورِّثَةً للشبهة .

﴿ ١٩٠