١٩١قوله تعالى : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِيَامًا وَقُعُودًا } الآية . استغرق الذكرُ جميعَ أوقاتهم؛ فإن قاموا فبذكره ، وإن قعدوا أو ناموا أو سجدوا فجملة أحوالهم مستهلكة في حقائق الذكر ، فيقومون بحق ذكره ويقعدون عن إخلاف أمره ، ويقومون بصفاء الأحوال ويقعدون عن ملاحظتها والدعوى فيها . ويذكرون اللّه قياماً على بساط الخدمة ثم يقعدون على بساط القربة . ومَنْ لم يَسْلَمْ في بداية قيامه عن التقصير لم يسلم له قعودٌ في نهايته بوصف الحضور . والذكر طريق الحق - سبحانه - فما سلك المريدون طريقاً أصحَّ وأوضح من طريق الذكر ، وإن لم يكن فيه سوى قوله : ( أنا جليس من ذكرني) لكان ذلك كافياً . والذاكرون على أقسام ، وذلك لتباين أحوالهم : فذكر يوجب قبض الذاكر لما يذكره من نَقْصٍ سَلَفَ له ، أو قُبْحٍ حصل منه ، فيمنعه خجله عن ذكره ، فذلك ذكر قبض . وذكر يوجب بسط الذاكر لما يجد من لذائذ الذكر ثم تقريب الحقِّ إياه بجميل إقباله عليه . وذاكر هو محو في شهود مذكوره؛ فالذكر يجري على لسانه عادةً ، وقلبه مُصْطَلَمٌ فيما بدا له . وذاكر هو محل الإجلال يأنف من ذكره ويستقذر وصفه ، فكأنه لتصاغره عنه لا يريد أن يكون له في الدنيا والآخرة ( ثناء ) ولا بقاء ، ولا كون ولا بهاء ، قال قائلهم : ما إن ذكرتك إلا همّ يلعنني ... قلبي وروحي وسرى عند ذكراكا حتى كأنَّ رقيباً منك يهتف بي ... إياك ويحك والتذكار إياكا والذكر عنوان الولاية ، وبيان الوصلة ، وتحقيق الإرادة ، وعلامة صحة البداية ، ودلالة صفاء النهاية ، فليس وراء الذكر شيء ، وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ، ومُنْشَأَةٌ عن الذكر . قوله جلّ ذكره : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ } . التفكر نعمة كل طالب ، وثمرته الوصال بشرط العلم ، فإذا سلم الذكر عن الشوائب ورد صاحبه على مناهل التحقيق ، وإذا حصل الشهود والحضور سما صاحبه عن الفكر إلى حدود الذكر ، فالذكر سرمد . ثم فكر الزاهدين في فناء الدنيا وقلة وفائها لطلابها فيزدادون بالفكرة زهداً فيها . وفكر العابدين في جميل الثواب فيزدادون نشاطاً عليه ورغبةً فيه . وفكر العارفين في الآلاء والنعم فيزدادون محبةً للحق سبحانه . قوله جلّ ذكره : { سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } . التسبيح يشير إلى سبح الأسرار في بحار التعظيم . |
﴿ ١٩١ ﴾