١٢٥-١٢٦

لا أحدَ أحسنُ ديناً ممن أسلم وجهه للّه؛ يعني أفرد قصده إلى اللّه ، وأخلص عقده للّه عما سوى اللّه ، ثم استسلم في عموم أحواله للّه باللّه ، ولم يدَّخِرْ شيئاً عن اللّه؛ لا من ماله ولا من جَسَدِه ، ولا من روحه ولا من جَلَدِه ، ولا من أهله ولا من وَلَدِه ، وكذلك كان حال إبراهيم عليه السلام .

وقوله : { وَهُوَ مُحْسِنٌ } : الإحسان - بشهادة الشرع - أن تعبد اللّه كأنك تراه ، ولا بد للعبد من بقية من عين الفرق حتى يصحّ قيامه بحقوقه - سبحانه - لأنه إذا حصل مستوفيّ بالحقيقة لم يصح إسلامه ولا إحسانه ، وهذا اتِّباع إبراهيم عليه السلام الحنيف الذي لم يبق منه شيء على وصف الدوام .

وقوله : { وَاتَّخَذَ اللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } : جرَّد الحديث عن كل سعي وكدٍ وطلبٍ وجهدٍ حيث قال : { وَاتَّخَذَ اللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } فعُلِمَ أَنَّ الخلَّة لُبسةٌ يُلبِسها الحقُّ لا صفةٌ يكتسبها العبد .

ويقال الخليل المحتاج بالكلية إلى الحق في كل نَفَسٍ ليس له شيء منه بل هو باللّهللّه في جميع أنفاسه وأحواله ، اشتقاقاً من الخُلَّة التي هي الخَصَاصة وهي الحاجة .

ويقال إنه من الخلة التي هي المحبة ، والخلة أن تباشِر المحبةُ جميع أجزائه ، وتتخلل سِرَّه حتى لا يكون فيه مساغ للغير .

فلمَّا صفَّاه اللّه - سبحانه - (عليه السلام) عنه ، وأخلاه منه نَصَبَه للقيام بحقه بعد امتحائه عن كل شيء ليس للّه سبحانه .

ثم قال : { وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً }[ الحج : ٢٧ ] لا يلبي الحاج إلا للّه ، وهذه إشارة إلى جمع الجمع .

﴿ ١٢٦