١٢٧قوله جلّ ذكره : { لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ } . دار السلام أي دار السلامة ، ومَنْ كان في رِقِّ شيء من ( الأغراض ) والمخلوقات لم يجد السلامة ، وإنما يجد السلامة مَنْ تحرر عن رِقِّ المُكُوِّنَات ، والآية تشير إلى أنَّ القومَ في الجنة لكنهم ليسوا في أَسْرِ الجنة ، بل تحرروا من رِقِّ كل مُكَوَّن . ويقال مَنْ لم يُسلِّمْ - اليوم - على نفسه وروحه وكلِّ مالَه من كل كريمة وعظيمة تسليمَ وداعٍ لا يجد - غداً - ذلك الفضْل ، فمن أراد أن يُسلِّم عليه ربُّه - غداً - فَلْيُسَلِّمْ على ( الكون ) بجملته ، وأولاً على نفسه وروحه . ويقال دار السلام غداً لمن سَلِمَ - اليوم - لسانُه عن الغيبة ، وجَنانه عن الغيبة ، وأبشاره وظواهره من الزَّلَّة ، وأسراره وضمائره من الغفلة ، وعقله من البدعة ، ومعاملته من الحرام والشبهة ، وأعماله من الرياء والمصانعة ، وأحواله من الإعجاب . ويقال شرفُ قَدْرِ تلك الدار لكونها في محل الكرامة ، واختصاصها بِعِنْدية الزُّلفة ، وإلا فالأقطار كلها ديار ، ولكن قيمة الدار بالجار ، قال قائلهم : إنِّي لأحسد داراً في جِوارِكمُ ... طوبى لمن أضحى لدارك جارا يا ليت جارَكَ يعطيني من داره شِبراً ... إذاً لأعطيه بِشْبرٍ دارا ويقال : وإن كانت الدارُ منزهةً عن قبول الجار ، وليس القرب منه بتداني الأقطار ، فإطلاق هذا اللفظ لقلوب الأحباب مؤنسٌ ، بل لو جاز القربُ في وصفه من حيث المسافة لم يكن لهذا كبير أثر ، وإنما حياة القلوب بهذا ، لأن حقيقته مقدسة عن هذه الصفات؛ فهو لأَجْلِ قلوب الأحباب يُطْلق هذا ويقع العلماء في كد التأويل ، وهذا هو أمارة الحب ، قال قائلهم : أنا من أَجْلِكَ حُمِّلْتُ الأ ... ذى الذي لا أستطيع قوله جلّ ذكره : { وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . هذا شرف قدر تلك المنازل حيث قال : { وَهُوَ وَلِيُّهُم } لأنه إذا كان - سبحانه - هو وليَّهم فإنَّ المنازل بأَسرِها طابت كيفما كانت ، قال قائلهم : أهوى هواها لمن قد كان ساكنها ... وليس في الدار لي همٌّ لا وَطَرُ هو وليُّهم في دنياهم ، ووليُّهم في عقباهم ، هو وليهم في أولادهم وفي أخراهم ، وليهم الذي استولى حديثه على قلوبهم ، فلم يَدَعْ فيها لغيره نصيباً ولا سِوىً وليهم الذي هو أَوْلَى بهم منهم وليُّهم الذي آثرهم على أضرابهم وأشكالهم فآثروه في جميع أحوالهم وليهم الذي تطلب رضاهم ، وليهم الذي لم ( يَكْلهُم ) إلى هواهم ، ولا إلى دنياهم ، ولا إلى عقباهم . وليُّهم الذي بأفضاله يلاطفهم ، وبجماله وجلاله يكاشفهم . وليُّهم الذي اختطفهم عن كل حظ ونصيب ، وحال بينهم وبين كل حميم وقريب ، فحرَّرهم عن كل موصوف ومطلوب ومحبوب ، وليُّهم الذي هو مؤنِس أسرارهم . مَشَاهِدهُ مُعْتَكِفُ أبصارهم ، وحضْرَتهُ مَرْتُع أرواحهم . وليُّهم الذي ليس لهم سواه ، وليهم الذي لا يشهدون إلا إياه ، ولا يجدون إلا إياه ، لا في بدايتهم يقصدون غيره ، ولا في نهايتهم يجدون غيره ، ولا في وسائلهم يشهدون غيره . |
﴿ ١٢٧ ﴾