٣٣

قوله جلّ ذكره : { وَمَا كَانَ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } .

ما كان اللّه معذبهم وأنت فيهم ، وما كان اللّه ليعذِّبَ أسلافَهم وأنت في أصلابهم ، وليس يعذبهم اليوم وأنت فيما بينهم إجلالاً لقَدْرِك ، وإكراماً لمحلِّك ، وإذا خرجتَ من بينهم فلا يعذبهم وفيهم خدمك الذين يستغفرون ، فالآية تجل على تشريف قَدْر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم .

ويقال للجوَارِ حُرْمةٌ ، فَجَارُ الكرام في ظل إنعامهم؛ فالكفار إن لم يَنْعَموا بقرب الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - منهم فقد اندفع العذاب - بمجاورته - عنهم :

وأحبُها وأحبُّ منزلَها الذي ... نَزَلَتْ به وأُحِبُّ أهلَ المنزِل

ويقال إذا كان كون الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - في الكفار يمنع العذاب عنهم فكون المعرفة في القلوب أوْلى بدفع العذاب عنها .

ويقال إن العذاب - وإنْ تأَخَّر عنهم مدة مقامهم في الدنيا ما دام هو عليه السلام فيهم - فلا محالة يصيبهم العذابُ في الآخرة ، إذ الاعتبار بالعواقب لا بالأوقات والطوارق .

قوله جلّ ذكره : { وَمَا كَانَ اللّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .

علم أنه - عليه السلام - لا يتَأَبَّد مُكْثُه في أمته إذا قال له : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ }[ الأنبياء : ٣٤ ] ، فقال إني لا أضيع أمَّتَه وإن قضى فيهم مُدَّتَه ، فما دامت ألسنتهم بالاستغفار مُتَطَلِّعةً فصنوف العذاب عنهم مرتفعة .

﴿ ٣٣