٢قوله جلّ ذكره : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } . والعقوبة على الزنا شديدة أكيدة ، ولكن جعل إثباتَ أمره وتقريرَ حُكْمِه والقطعَ بكونه على أكثر الناسِ خصلةً عسيرةً بعيدةً؛ إذ لا تُقْبَلُ الشهادةُ عليه حتى يقولُ : رأيتُ ذلك منه في ذلك منها! وذلك أمرٌ ليس بالهيِّن ، فسبحان مَنْ أَعْظَمَ لاعقوبةَ على تلك الفَعْلَةِ الفحشاء ، ثم جعل الأمر في إثباتها بغاية الكدِّ والعناء! وحين اعترف واحدٌ له بذلك قال له صلى الله عليه وسلم : ( لعلَّك قَبَّلْتَ . . . لعلَّك لامَسْتَ ) وقال لبعض أصحابه . ( استنكهوه ) وكلُّ ذلك رَوْماً لِدَرْءِ لاحدِّ عنه ، إلى أن ألحَّ وأصرَّ على الاعتراف . قوله جل ذكره : { وَلاَ تَأْخُذُكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللّه إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَاليَوْمِ الأَخِرِ } . ما يأمر به الحقُّ فالواجب مقابلته بالسمع والطوع . والرحمة من موجب الشرع وهو المحمود ، فأمّا ما يقتضيه الطَّبعُ والعادة والسوء فمذمومٌ غيرُ محمود . ونهى عن الرحمة على من خَرَقَ الشرعَ ، وتَرَكَ الأمرَ ، وأساءَ الأدبَ ، وانتصبَ في مواطنِ المخالفة . ويقال نهانا عن الرحمة بهم ، وهو يرحمهم بحيث لا يمحو عنهم - بتلك الفَعْلة الفحشاء - رقم الإيمان ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) ولولا رحمته لما استبقى عليه حُلّة إيمانه مع قبيح جُرْمِهِ وعصيانه . قوله جل ذكره : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهُما طَآئِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنينَ } . أي ليَكُونَ عليهم أشَدَّ ، وليكون تخويفاً لمتعاطي ذلك الفعل ، ثم من حقِّ الذين يشهدون ذلك الموضعَ أن يتذكروا عظيمَ نعمةِ اللّه عليهم أنهم لم يفعلوا مِثْله ، وكيف عَصَمَهم من ذلك . وإن جرى منهم شيءٌ من ذلك يذكروا عظيمَ نعَمةِ اللّه عليهم؛ كيف سَتَرَ عليهم ولم يفضحهم ، ولم يُقِمْهم في الموضع الذي أقام فيه هذا المُبْتَلَى به وسبيلُ من يشهد ذلك الموضعَ ألا يُعَيِّرَ صاحبَه بذلك ، وألا ينسى حُكْمَ اللّه تعالى في إقدامه على جُرْمِه . |
﴿ ٢ ﴾