١١

هذه قصة عائشة رضي اللّه عنها ، وما كان من حديث الإفك .

بَيَّنَ اللّه - سبحانه - أنه لا يُخْلِي أحداً من المحنة والبلاء ، في المحبة والولاء؛ فالامتحان من أقوى أركانه وأعظم برهانه وأصدق بيانه ، كذلك قال صلى اللّه عليه وسلم ( يُمْتَحَنُ الرجلُ على قَدْرِ دينه ) ، وقال : ( أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) .

ويقال إن اللّه - سبحانه - غيورٌ على قلوب خواصِّ عباده ، فإذا حصلت ماسكنةُ بعض إلى بعضٍ يُجْرِي اللّه ما يَرُدُّ كُلَّ واحدٍ منهم عن صاحبه ، ويردُّه إلى نفسه ، وأنشدوا :

إذا عَلِقَت روحي بشيءٍ ، تعلَّقَتْ ... به غِيَرُ الأيام كي تسْلُبَنِّيَا

وإن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - لمَّا قيل له : أي الناس أحب إليك؟ قال : ( عائشة ) فساكنها .

وفي بعض الأخبار أن عائشة قالت : ( يا رسول اللّه إني أحبك وأحب قربك ) . . . فأجرى اللّه حديثَ الإفك حتى ردَّ قلبَ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عنها إلى اللّه ، وردَّ قلب عائشة عنه إلى اللّه؛ حيث قال - لما ظَهَرَتْ براءةُ ساحتها : بحمد اللّه لا بحمدك كشف اللّه عنها به تلك المحنة ، وأزال الشكَّ ، وأظهر صِدْقَها وبراءة ساحتها .

ويقال إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( اتقوا فراسةَ المؤمن فإنَّ المؤمن ينظر بنور اللّه) فإذا كانت الفراسةُ صفة المؤمن فأوْلى الناس بالفراسةِ كان رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم لم تظهر له بحكم الفراسة براءةُ ساحتها ، حتى كان يقول : ( إنْ فَعَلْتِ فتوبي ) .

والسبب فيه أنه في أوقات البلاء يَسُدُّ اللّه على أوليائه عيونَ الفراسةِ إكمالاً للبلاء . وكذلك إبراهيم - عليه السلام - لم يميِّز ولم يعرف الملائكة حيث قَدَّمَ إليها العِجْلَ الحنيذ ، وتوهمهم أضيافاً . ولوط عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة إلى أن أخبروه أنهم ملائكة .

ويقال إنه كان - صلى اللّه عليه وسلم - يقول لعائشة : ( يا حُمَيرَاء )

فلما كان زمان الإفك ، وأرسلها إلى بيت أبويها ، واستوحش الأبوان معها ، ومَرِضَتْ عائشةُ - رضي اللّه عنها - من الحزن والوجد ، كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إذا رأى واحداً من دار أبي بكر يقول :

( كيف بيتكم؟ لا عائشة ولا حميراء فما كان يطيب بالتغافل عنها ، فتعبيره - إن لم يُفهَمْ بالتصريح - فيُفْقَهُ بالتلويح .

ثم إنه - سبحانه - قال : { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِىْءٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ } : فبمقدار جُرْمِهم احتمل كلُّ واحدٍ ما يخصُّه من الوِزْر .

﴿ ١١