٤٠

{ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ }( قيل هو آصف ) وكان صاحب كرامة . وكراماتُ الأولياءِ مُلْتَحِقَةٌ بمعجزات الأنبياء ، إذ لو لم يكن النبيُّ صادقاً في نبوته لم تكن الكرامة تظهر على من يُصَدِّقه ويكون من جملة أمته .

ومعلومٌ أنه لا يكون في وُسْعِ البَشَرِ الإتيانُ بالعرش بهذه السرعة ، وأن ذلك لا يحصل إلا بخصائص قدرة اللّه تعالى . وقَطْعُ المسافة البعيدة في لحظةٍ لا يصح تقديره في الجواز إلا بأحد وجهين : إمَّا بأن يُقَدِّم اللّه المسافةَ بين العرش وبين منزل سليمان ،

وإمَّا بأن يعدم العرش ثم يعيده في الوقت الثاني بحضرة سليمان . وأيُّ واحدٍ من القسمين كان - لم يكن إلاّ من قِبَل اللّه ، فالذي كان عنده علم من الكتاب دعا اللّه - سبحانه - واستجاب له في ذلك ، وأحضر العرش ، وأمر سليمان حتى غَيَّرَ صورته فجعل أعلاه أسفله ، وأسفله أعلاه ، وأثبته على تركيبٍ آخر غير ما كان عليه .

ولمّا رأى سليمان ذلك أخذ في الشكر للّه - سبحانه - والاعتراف بِعِظمِ نِعَمِه ، والاستيحاء ، والتواضع له ، وقال : { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى } : لا باستحقاقٍ مني ، ولا باستطاعةٍ من غيري ، بل أحمد النعمةَ لربِّي حيث جعل في قومي ومِنْ أمتي مَنْ له الجاهُ عنده فاستجاب دعاءَه .

وحقيقةُ الشكرِ - على لسان العلماء - الاعترافُ بنعمة المُنْعِم على جهة الخضوع . والأحسنُ أن يقال الشكرُ هو الثناءُ على المُحْسِنِ بِذِكْرِ إحسانه ، فيدخل في هذا شكرُ اللّه للعبد لأنه ثناءٌ منه على العبد بذكر إحسان العبد ، وشكرُ العبد ثناءٌ على اللّه بذكر إحسانه . . . إلاّ أَنَّ إحسان الحقِّ هو إنعامُه ، وإحسانُ العبد طاعتُه وخدمتُه للّه ، وما هو الحميد من أفعاله .

فأمَّا على طريقِ أهل المعاملة وبيان الإشارة : فالشكرُ صَرْفُ النعمة في وجه الخدمة .

ويقال الشكر أَلاَّ تستعينَ بنعمته على معاصيه .

ويقال الشكر شهودُ المنعِم من غير مساكنةٍ إلى النعمة .

ويقال الشكر رؤية العجز عن الشكر .

ويقال أعظمُ الشكرِ الشكرُ على توفيق الشكر .

ويقال الشكر على قسمين : شكر العوام على شهود المزيد ، قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }[ إبراهيم : ٧ ] ، وشكر الخواص يكون مجرداً عن طلب المزيد ، غيرَ متعرض لمنال العِوَض .

ويقال حقيقةُ الشكرِ قيد النعم وارتباطها؛ لأَنَّ بالشكر بقاءَها ودوامَها .

﴿ ٤٠