٣٠

وقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}.

قال الشيخ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: القول فيما يتوجه إليه مما تضمن قصة آدم عليه السلام من سورة البقرة، والكشفُ عما قال فيها أهل التفسير من غير شهادة لأحد منا لإصابة جميع ما فيه من الحكمة أَو القطع على تحقيق شيء، ووجهوا إليه بالإحاطة.

ولكن الغالب مما يحتمله تدبير البشر، ويبلغه مبلغ علمنا مما يجوز أَن يوصَف به أَهلُ المحنة، وإن كان تنزيه الملائِكة عن كل معنى فيه وحشة أَوْلى بما وصفهم اللّه من الطاعة

ولكن يحتمل: أَن يريد آدم وولده -إلى يوم القيامة- أَن يجعل بعضهم خلفاء لبعض؛ كقوله: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ}، أو يجعلهم خلفاء من ذكروا، إن صح الذي قالوا.

وجائز أَن يكونوا على وجه الأَرض، إذ هي مخلوقة لهم قرارا ومِهادًا ومعادًا، وهم جُعِلوا سكانهَا وعُمَّارها - أَن يكونوا خلفاء، في إظهار أَحكام اللّه تعالى ودينه، كقوله لداود عليه السلام: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}، فجعله كذلك ليحكم بين أهلها بحكم اللّه ولا يتبع الهوى، وبذلك أُمر بنو آدم.

وقولُه: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

قيل: بأمرك.

وقيل: بمعرفتك.

وقيل: بالثناءِ عليك؛ إذ كانوا أَضافوا ذلك إلى أنفسهم دون أن يذكروا عظيم مِنَّة اللّه عليهمِ بذلك، واختصاصَه إياهم بالتوفيق له؛ إذ كيف ذكروا من نُعُوت البشر شرَّ ما فيهم، دون أن يحمَدوا اللّه -بما وفقوا له- أَو يدعوا للبشر بالعصمة والمغفرة مما ابتلوا.

ولذلك - واللّه أعلم - صَرفوا شغلهم من بعد إلى الاستغفار لمن في الأَرض، ونصر أولياءِ اللّه، ولا قوة إلا باللّه.

ومن الناس من أَخبر في ذلك: أَن إبليس سأَلهم: لو فُضل آدمُ عليهم، وأُمِروا بالطاعة له ما يصنعون؟

فأَظهر اللّه عَزَّ وَجَلَّ أَنه علم ما كتم إِبليس من العصيان، وما أَظهروا هم من الطاعة. وهذا شيء لا يعلم حقيقته؛ لأَن المعاتبة كانت في جملة الملائكة، والمخاطبة بالإنباءِ، وما أُلحق به وأَمر بالسجود وكان في غيره.

ولم يحتمل أَن يكونوا يؤاخذون بسؤال إبليس اللعين.

ولكن يحتمل وجوه العتاب الإخبار فيما لم يبلغوا العصيان، واللّه الموفق.

﴿ ٣٠