٣٥

وقوله: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (٣٥)

قد ذكرنا فيما تقدم أَن الجَنة هي اسم البقعة التي حُفت بالأَشجار والغُروس وأنواع النبات.

دليله: قوله: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}.

وذلك أيضًا ظاهرٌ معروفٌ عند الناس؛ ألا تُسمى كل بقعة من الأرض بستانا، ولا جنة حتى يجتمع فيها ما ذكرنا.

ثم لا يُدْرَى ما تلك الجنة التي أمر آدمُ وحواء بالكَون، والمُقام فيها: أهي التي وُعد المتقون، أَو جنة من جنات الدنيا؛ إذ ليس في الآية بيان ذلك.

وفي الآية دلالة أن الشرط في الذكر قد يُضْمر، ويكون شرطًا بلا ذكر؛ لأنه قال: {أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} ثم قد جاع وعَرِيَ حين عصى، فدل أَن ترك المعصية كان

جهة الإيثار، ولكن إشفاقًا عليه ورحمة.

ويحتمل أيضًا النهي عن التناول من الشيء على جهة الحرمة، فإذا كان ممكنا هذا محتملا حمل آدم وحواء على التناول منها لما اشتبه عليهما، ولم يعرفا معنى النهي بأَنه نهيُ حرمةٍ، أَو نهي إيثار غيره عليهما، أَو نهي داء؛ لأَنهما لو كانا يعلمان أَن ذلك النهي نهي حرمة لكانا لا يأَتيان ولا يتناولان، وباللّه التوفيق.

ثم في الآية دلالة على أن الحال التي يكون فيه الإنسان في سعة ورغد يشتد على الشيطان اللعين؛ لأَنه إنما تعرض لآدم وحواءَ بالوسوسة التي وسوس إليهما ليزيل تلك الحال عنهما.

وإنما يبلى بالسعة، والرخاء ثم لما لحقته من الشدائد والبلايا مما كسبت أيدينا؛ لقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.

ثم الآية ترد على بعض المتقشفة قولهم بتحريم الطيبات والزينة.

وقوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.

أي: الضارِّين؛ لأَن كل ظالم ضارٌّ نفسَه في الدارين جميعًا.

﴿ ٣٥