٣٦

وقوله: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا (٣٦)

أي: دعاهما، وزين لهما إلى سبب الزلة والإخراج عنها، لا أَن تولى إخراجهما وإزلا لهما،

وقد ذكرنا أَن الأَشياءَ تسمى باسم أسبابها، أَو الأَسباب باسم الأشياء. وذلك ظاهر معروف في اللغة، غير ممتنع تسمية الشيء باسم سببه.

ثم تكلموا فيما أصاب آدم من الشجرة، وفي جهة النهي عنها: فقال قوم: أكل منها وهو ناسٍ لعهد اللّه نسيان ترك الذكر.

وأَبى ذلك قوم

واحتج الحسن بأَن نسيانه نسيان تضييع واتباع الهوى، لا نسيان الذكر بأَوجهٍ:

أحدها: ما جرى في حكم اللّه - تعالى - من العفو عن النسيان الذي هو ترك الذكر، وألا يلحق صاحبَه اسمُ العصيان، وقد عوقب هو به، ونسب إلى العصيان بقوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} مع ما تقدم القول فيه أن يكونا من الظالمين.

والثاني: أَن عَدُوه قد ذكَره لو كان ناسيًا؛ حيث قال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. . .} الآية.

وقوله: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا}.

قيل: الهبوط النزول في موضع، كقوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا} أي: انزلوا فيه.

ويحتمل الهبوط منها هو النزول من المكان المرتفع إلى المنحدر، والدون من المكان.

وقوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.

قيل: يعني إبليسَ وأَوْلاده، وآدمَ وأَولادَه، بعضهم لبعض عدو. والعداوة فيما بيننا وبينهم ظاهرة.

وقيل: بيننا وبين الحيَّة التي حملت إبليس حتى وسوس لهما من ذؤابتها.

فهذا لا يعلم إلا بالسمع، إذْ ليس في الكتاب ذلك.

غير أن العداوة بيننا وبين الحيَّات عداوة طبع، والعداوَة التي بيننا وبين إبليس عداوة اختبار وأَمر؛ إذ الطبعُ ينفر عن كل مؤذٍ ومضر، وباللّه التوفيق.

وقوله: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}.

يقرون فيها، كقوله: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا}.

وقوله: {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.

أي: متاعًا لكم إلى انقضاء آجالكم.

ويحتمل: متاعًا لكم لانقضاء الدنيا وانقطاعها.

﴿ ٣٦