٥٢

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ (٥٢) الآية.

يَنْقض على المعتزلة قولهم؛ لأَنهم يزعمون أن اللّه إذا علم من أحدٍ أنه يؤمن به في آخر عمره -وإن طال- أَو يكون من نسله من يؤمن إلى آخر الأَبد، لم يكن له أن يُميته، ولا له أَن يقطع نسله.

فإذا كان على اللّه أَن يبقيهم، ولا يقطع نسلهم، لم يكن للامتنان عليهم، ولا للإفضال وطلب الشكر منهم - معنى؛ إذ فَعَلَ - جل وعز - ما عليه أَن يفعل. وكل من فعل ما عليه أن يفعل لم يكن فعلُه فعل امتنان، ولا فعل إِفضال؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - مَنَّ عليهم بالعفو عنهم، حيث لم يستأصلهم، وتركهم حتى تناسلوا وتوالدوا، ثم وجه الإفضال والامتنان على هَؤُلَاءِ - وإن كان ذلك العفو لآبائهم؛ لأَنه لو أَهلك آباءَهم وقطع تناسلهم انقرضوا وَتَفَانَوا، ولم يتوالدوا؛ فالمنة عليهم حصلت؛ لذلك طلبهم بالشكر له، واللّه أَعلم.

وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

أَي؛ لكنى تشكروا. وكذلك قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، أي: لكى يوحدوا.

وذلك يحتمل وجوهًا:

يحتمل: أَن يَشْهد خَلْقُه كل أَحد على وحدانيته، وكذلك يشكر خَلْقُه كل أَحد له.

ويحتمل: عبادة الأخيار بوحدانيته، والشكر له بما أَنعم وأفضل عليه، وذلك يرجع إلى من يعبد ويوحد.

ويحتمل: أَنه خلقهم؛ ليأمرهم بالعبادة، والشكر له، من احتمل منهم الأَمر بذلك.

﴿ ٥٢