٥٨

وقوله: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ (٥٨)

اختلف في تلك القرية:

قيل: إنها بيت المقدس، كقوله: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّه لَكُمْ}.

أمروا بالدخول فيها، والمقام هنالك؛ لسعة عيشهم فيها ورزقهم؛ إذ هو الموصوف بالسعة والخصب.

وقيل: إن تلك القرية التي أُمروا بالدخول، والمقام هنالك، هي قرية على انقضاء التيه، والخروج منها.

غير أن ليس لنا إلى معرفة تلك القرية حاجة، وإنما الحاجة إلى تعرف الخلاف الذي كان منهم، وما يلحقهم بترك الطاعة للّه والائتمار، واللّه أعلم.

وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا}.

والرغد قد ذكرنا فيما تقدم: أَنه سعة العيش، وكثرة المال.

وقوله: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}.

يحتمل المراد من الباب: حقيقة الباب، وهو باب القرية التي أُمروا بالدخول فيها.

ويحتمل المراد من الباب: القرية نفسها، لا حقيقة الباب؛ كقوله: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} ذكر القرية ولم يذكر الباب، وذلك في اللغة سائغ، جائز؛ يقال: فلان دخل ذكر - عَزَّ وَجَلَّ - مرة خطايا، ومرة خطيئات، ومرة قال: ادخلوا، ومرة قال: اسكنوا، ومرة قال: فأَنزلنا، ومرة قال: فأرسلنا -والقصة واحدة- حتى يعلم:

أَن ليس في اختلاف الأَلفاظ والألسن تغيير المعنى والمراد. وإن الأَحكام والشرائع التي وضعت لم توضع للأَسامي والألفاظ، ولكن للمعاني المدرجة والمودعة فيها، واللّه أعلم.

وقوله: {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}.

يحتمل المراد من المحسنين: المسلم الذي كان أَسلم قبل ذلك.

ويحتمل: الذي أَسلم بعد قوله: {وَقُولُوا حِطَّةٌ}، وكان كافرًا إلى ذلك الوقت.

والزيادةُ تَحتمل: التوفيق بالإحسان من بعد، كقوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. . .} الآية.

ويحتمل: الثواب على ما ذكر من قوله: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا. . .}.

﴿ ٥٨