٦٣وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ}. قد ذكرنا فيما تقدم: أَن ميثاق اللّه، وعهده على وجهين: عهد خلقة وفطرة، وعهد رسالة ونبوة. وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} في التوراة أَن يعملوا بما فيها، فنقضوا ذلك العهد لما رأَوا فيها الحدود، والأَحكام، والشرائع كرهوا؛ فرفع اللّه الجبل فوقهم، فقبلوا ذلك. ويحتمل ما ذكرنا من عهد خلقة وفطرة قنقضوا ذلك. وقوله: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}. قيل: خذوا التوراة بالجد والمواظبة. وقيل: " بقوة " يعني: بالطاعة له والخضوع. ثم احتج بعض المعتزلة بهذه الآية على تقدم القدرة الفعلَ؛ لأَنه أمرهم - عَزَّ وَجَلَّ - بالقبول له، والأَخذ والعمل بما فيها. فلو لم يعطهم قوة الأَخذ والقبول له قبل الأخذ له والفعل، لكان لا يأمرهم بذلك؛ لأنهم يقولون: لا قوة لنا على ذلك؛ فدل أنه قد أعطاهم قبل ذلك، لكنه غلط عندنا؛ لأَنه لو كان أَعطاهم القوة قبل الفعل، ووقت الأَمر به، ثم تذهب عنهم تلك القوة وقت الفعل - لكان الفعل بلا قوة؛ إذ من قولهم: أن القوة لا تبقى وقتين؛ فدل: أَنها تحدث بحدوث الفعل، لا يتقدم ولا يتأخر، ولكن يَكونان معًا. ولأَنها سميت: قدرة الفعل، فلو كانت تتقدم الفعل، لم يكن لإضافة الفعل إليها معنى، واللّه أعلم. والأَصل في ذلك: أَن اللّه - تعالى - قال: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} ومعلوم أَن المرادَ من ذلك الأَخذُ بقوة الآخذ. ثم فيه وجهان: أَحدهما: أَن للأَخذ قوة غير التي للترك. والثاني: أَنه ذكر الأَخذ بقوة، فإذا لم تكن معه لم يكن بها أَن يرى أَن الوقت إذا تباعد لم يحتمل بما تقدم من القوة أَوقاتًا؛ فمثله وقت واحد. وقوله: {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. قيل فيه بوجوه: قيل: اذكروا، واحفظوا ما فيه من أَمره ونهيه، ولا تضيعوه؛ لعلكم تتقون المعاصي والمآثم. ويحتمل: اذكروا ما فيه من التوحيد والإيمان؛ لعلكم تتقون الشرك والكفر. ويحتمل: اذكروا ما فيه من الأَحكام والشرائع. ويحتمل: الثواب والعقاب، والوعد والوعيد. وكله واحد. |
﴿ ٦٣ ﴾