٢٠١

وقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١)

وقوله: (أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ (٢٠٢).

وقوله: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. .} الآية في قوم لا يؤمنون بالبعث والإحياء بعد الموت، طلبوا خيرات الدنيا، ولم يطلبوا الخيرات في الآخرة، فأعطوا ما سألوا من حسنات الدنيا، وهو كقوله: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}، فأعطوا ما سألوا من نصيب؛ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}، أي يؤتى حرث الدنيا والآخرة، فمن كان ركونهم إلى الدنيا وميلهم إليها لم يركنوا إلى دعاء غيرها، وأما من آمن بالبعث والإحياء بعد الموت فإنهم سألوا خيرات الدنيا والآخرة جميعًا بقوله:

 (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) طلبوا حسنات الدنيا؛ لأن الدنيا جعلها محل الزاد للآخرة، لأنه جعلها لهم، إنما خلقهم للآخرة؛ كقوله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.

ثم اختلف في {الحسَنَة} في الدنيا، و {الحسَنَة} في الآخرة:

قيل: حسنة الدنيا: العلم والعبادة، وحسنة الآخرة: الجنة والمغفرة.

وقيل: حسنة الدنيا: النصر والرزق، وحسنة الآخرة: الرحمة والرضوان. وكله واحد.

ورُويَ عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: " إن للّه عبادًا يحيون في عافية، ويموتون في عافية، ويدخلون الجنة في عافية. قيل: يا رسول اللّه، بم؟ قال: بكثرة قولهم: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ".

وقوله: {وَاللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ}

قيل فيه بوجوه:

قيل: فيه تقديم وتأخير، كأنه قال: حسابه سريع.

وقيل: {سَرِيعُ}، كما أن الإبطاء في الحساب يكون للتفكر فيه والاستذكار وحفظ عقد الأصابع أو لشغل شغله، فاللّه - تعالى - يتعالى عن ذلك أن يوصف به أو يشغله شيء.

وقيل: {سَرِيعُ}، أي قريب، كأن قد جاء، كقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، وكقوله: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}، وكقوله: أَتَى أَمْرُ اللّهأي قرب.

وقيل: كناية عن عذاب شديد، أي شديد العقاب والعذاب، وهو كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللّه}، وهو كقوله - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " من نوقش الحساب عذب ".

﴿ ٢٠١