٢٠٨

وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}.

{السِّلْمِ}، فيه لغتان: بالكسر والنصب. فمن قرأ ذلك بالكسر فهو الإسلام.

ومن قرأ ذلك بالنصب فهو الصلح؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا. . .}، إلى آخر الآية.

فَإِنْ قِيلَ: كيف أمر بالدخول، وهم فيه؛ لأنه خاطب المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؟

قيل: بوجوه:

أحدها: أنه يحتمل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بألسنتهم، آمِنوا بقلوبكم.

ويحتمل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ببعض الرسل من نحو عيسى، وموسى، وغيرهم من الأنبياء، آمنوا بمُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

وقيل: أمره إياهم بالدخول أمر بالثبات عليه.

وقيل: إنه تعالى إنما أمرهم بالدخول فيه؛ لأن للإيمان حكم التجدد والحدوث في كل وقت، لأنه فعل، والأفعال تنقضي ولا تبقى، كأنه قال: يَا أَيُّهَا الذين آمنوا فيما مضى من الأوقات، آمنوا في حادث الأوقات. وعلى هذا يخرج تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّه وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ}.

وقوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}

وقد ذكرنا تأويله فيما تقدم.

﴿ ٢٠٨