٤٥

وقوله: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّه يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ (٤٥)

يحتمل: {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ}: أن قال: " كن " - فكان من غير أب ولا سبب، وسائر البشر لم يكونوا إلا بالآباء والأسباب: من النطفة، ثم من العلقة، ثم من مضغة مخلقة على ما وصف - عَزَّ وَجَلَّ - في كتابه، وكان أمر عيسى - عليه السلام - على خلاف ذلك.

ويحتمل {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ}: ما ذكر أنه كلم الناس في المهد: {إِنِّي عَبْدُ اللّه آتَانِيَ الْكِتَابَ} وذلك مما خص به عيسى، وهو بكلمة من اللّه قال ذلك.

فَإِنْ قِيلَ: ما معنى قوله: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} والكهل: مما يكلم الناس؟ قيل: لأن كلامه في المهد آية، والآية لا تدوم؛ كقوله: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ} الآية، وإنما يكون ذلك مرة لا أنها تشهد وتنطق أبدًا، فأخبر أن تكليمه الناس في المهد - وإن كانت آية - فإنه ليس بالذي لا يدوم، ولا يكون إلا مرّة.

والثاني: أمنٌ من اللّه لمريم، وبشارةٌ لها عن وفاته إلى وقت كهولته، واللّه أعلم.

وقوله: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ}.

قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: " المسيح: المبارك "، أي: مسح بالبركة.

وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح عين الأعمى والأعور فيبصر.

وقيل: المسيح: العظيم؛ لكنه - واللّه أعلم - بلسانهم؛ فيسأل: ما المسيح بلسانهم.

وقوله: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا}: بالمنزلة، ومكينًا في الآخرة، {وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} في الدرجة والرفعة، ومن كان وجيهًا في الدنيا والآخرة فهو مقرب فيهما.

﴿ ٤٥