٥٤

وقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّه}.

مكروا بنبي اللّه عيسى - عليه السلام - حيث كذبوه وهمُّوا بقتله، {وَمَكَرَ اللّه}، أي: يجزيهم جزاء مكرهم؛ وإلا حرف المكر مذموم عند الخلق؛ فلا يجوز أن يسمى اللّه به إلا في موضع الجزاء؛ على ما ذكره - عَزَّ وَجَلَّ - في موضع الجزاء؛ كقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ. . .}، والاعتداء منهي عنه غير جائز؛ كقوله: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّه لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}؛ فكان قوله:

{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ. . .} هو جزاء الاعتداء؛ فيجوز؛ فعلى ذلك المكر والخداع والاستهزاء: لا يجوز أن يسمى به، فيقال: يا ماكر، ويا خادع، ويا مستهزئ؛ لأنها حروف مذمومَة عند الناس؛ فيَشْتُمُ بعضهم بعضًا بذلك؛ لذلك لا يجوز أن يسمّى اللّه - تعالى - به إلا في موضع الجزاء. وباللّه العصمة.

وقوله: {وَاللّه خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}:

أي: خير الجازينَ أهل الجور بالعدل، وأهل الخير بالفضل.

وقيل: {وَمَكَرُوا}؛ حيث كذبوه وهمَّوا بقتله، {وَمَكَرَ اللّه}؛ حيث رفع اللّه عيسى - عليه السلام - وألقى شبهه على رجل منهم حتى قتلوه؛ فذلك خير لعيسى - عليه السلام - من مكرهم.

وقيل: {وَمَكَرُوا}، أي: قالوا، {وَمَكَرَ اللّه}: قال اللّه. وقولهم الشرك، وقال لهم: قولوا التوحيد.

{وَاللّه خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، أي: خير القائلين.

قال الشيخ - رحمه اللّه -: {وَاللّه خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}؛ بما بالحق يمكر، ويأخذ من استحق الأخذ، وهم لا، واللّه أعلم.

والمكر: هو الأخذ بالغفلة، واللّه يأخذهم بالحق من حيث لا يعلمون؛ فسمي مكرًا لذلك؛ كما يقال: امتحنه اللّه وهو الاستظهار، ولكن لا يراد به هذا في حق اللّه.

﴿ ٥٤