١١٠وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - في قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقال: " خير الناس أنفعهم للناس و {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}: أي: تأمرونهم، أن يشهدوا أن لا إله إلا اللّه، والإقرار بما أنزل اللّه، وتقاتلون عليه، ولَا إِلَهَ إِلَّا اللّه هو أعظم المعروف، والمنكر: هو التكذيب، فهو أنكر المنكر ". وعن علي - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أنه قال: قال النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِياءِ "، قلنا: يا رسول اللّه، وما هو؟ قال: " نُصِرتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَسُميتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِى طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمم ". قال الشيخ - رحمه اللّه -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} له وجهان: أي: {كُنْتُمْ} على ألسن الرسل في الكتب المتقدمة خير أمة. ويحتمل: أي: كنتم صرتم بإيمانكم برسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واتباعكم ما معه - خير أمّة على وجه الأرض؛ لأنهم آمنوا ببعض، وكفروا ببعض. وقوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}: يتوجّه إلى وجوه ثلاثة: المعروف: هو المعروف في العقول، أي: الذي تستحسنه العقول، والمنكر: هو الذي قبحته العقول وأنكرته. ويحتمل أن يكون المعروف: هو الَّذي عرف بالآيات والبراهين أنه حسن، والمنكر: ما عرف بالحجج؛ أي: أنه قبيح. ويحتمل أن المعروف: هو الذي جاء على ألسن الرسل أنه حسن، والمنكر:، هو الذي أنكروه ونهوا عنه. فعلى هذه الوجوه يخرج تأويل الآية، واللّه أعلم. وقوله: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} لا شك أن الإيمان خير لهم من الكفر، ولكن معناه - واللّه أعلم - أنهم إنما أبوا الإيمان وتمسكوا بالكفر لوجهين: أحدهما: أنهم كانوا أهل عزة وشرف فيما بينهم، وأهل دراية؛ ينتاب إليهم الناس، ويختلفون إليهم بحوائجهم، فخافوا ذهاب ذلك عنهم إذا آمنوا، فأخبر اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم إن آمنوا لكان خيرًا، لهم من الذكر والشرف والعز في أهل الإيمان أكثر مما لهم في أهل الكفر؛ ألا ترى أن من آمن منهم مِنْ دَرَسة الكتاب وعلمائهم - كان لهم من الذكر والشرف في الإيمان ما لم يكن لأحد مات منهم على الكفر؛ نحو: عبد اللّه بن سلام، ومن أسلم منهم؛ نحو: كعب، وغيره من الأحبار؟! وإنما كانوا من علمائهم لم يكونوا من علماء أهل الإيمان، فنالوا بالإيمان من الذكر والعز والشرف ما لم ينل أحد منهم مات على الكفر، بل حمل ذكرهم وانتشر في أهلهم؛ فضلًا عن أهل الإيمان والإسلام، واللّه أعلم. والثاني: أنهم كانوا أبوا الإسلام واتباع مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واختاروا المقام على الكفر؛ خوفًا وإشفاقا على ما لهم من المنافع والمنال أن يذهب ذلك عنهم بالإسلام، فأخبر - عز وجل - أنهم لو آمنوا لكان خيرًا لهم في الآخرة؛ إذ ذاك ينقطع ويذهب عن قريب، والذي لأهل الإيمان في الآخرة باق دائم، لا يزول أبدًا؛ لما كان الذي يُنال بالإيمان غيبًا، وكذلك ما يحلُّ بالكفار من جزاء الكفر - غيب اشتد عليهم الفكر والتدبر، لما يمنعهم عن الشهوات، وينغص عليهم اللذات، فآثروا ما هوته أنفسهم وتلذذوا به على التدبر، مع ما كان إدرإك الغائب بالشاهد أمر عسير، لا يوصل إليه إلا بفضل اللّه، ولم يكن عليه ذلك لا يسقط معنى الإفضال والإنعام، ويصير حقًا مع ما كان منهم تقديم الجفاء، وإيثار زهرة الدنيا وبهجة الغنى على الموعود، واللّه أعلم. وقوله: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}: كذلك كانوا: كان المؤمنون أقل، والكفار أكثر، واللّه أعلم. |
﴿ ١١٠ ﴾