١٤٦

وقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}: قيل: فيه لغات:

أحدها: " قاتل معه " بالألف، وتأويله: وكم من نبي قاتل معه ربيون كثير، فقتل؛ على الإضمار.

والثاني: " وكم من نبيّ قُتِل معه ربيون كثير "، برفع القاف.

والثالث: " وكم من نبي [قَاتَلَ] معه ربيون كثير " بالنصب.

ومعنى الآية - واللّه أعلم -: كم من نبي قتل معه ربيون كثير، فلم ينقلب أتباعه على أعقابهم؛ بل كانوا بعد وفاتهم أشد اتباعًا لهم من حال حياتهم؛ حتى قالوا: لن يبعث اللّه من بعده رسولا؛ فما بالكم يخطر ببالكم الانقلاب على أعقابكم، إذا أخبرتم أنه قتل نبيكم أو مات؟!.

وفي إنباء هذه الأمة قصصَ الأمم الخالية وأخبارهم - وجهان.

أحدهما: دلالة إثبات رسالة رسولنا مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم علموا أنه لم يختلف إلى أحد منهم ممن يعلم هذا، ثم أخبر بذلك، فكان ما أخبر؛ فدل أنه علم ذلك باللّه.

والثاني: العمل بشرائعهم وسننهم، إلا ما ظهر نسخه بشريعتنا؛ ألا ترى أنه ذكر محاسنهم وخيراتهم؛ وإنما ذكر لنتبعهم في ذلك ونقتدي بهم، وذكر مساوئهم وما لحقهم بها؛ لننتهي عنها ونكون على حذر مما أصابهم بذلك، واللّه أعلم.

وقوله: {رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}: اختلف فيه - عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: " عالم كثير "، وعنه -أيضًا-: " الجموع الكثير ".

وعن الحسن - رحمه اللّه - مثله.

وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: الألوف.

وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال في قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، يقول: قاتل؛ ألا ترى أنه يقول: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ}.

ثم اختلف في قوله: {فَمَا وَهَنُوا} {وَمَا ضَعُفُوا}.

قيل: فما وهنوا في الدِّين، وما ضعفوا في أنفسهم في قتال عدوهم بذهاب النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من بينهم؛ فما بالكم تضعفون أنتم؟! ويحتمل قوله: {فَمَا وَهَنُوا}، يعني: فما عجزوا لما نزل بهم من قتل أنبيائهم، وما ضعفوا في شيء أصابهم في سبيل اللّه من البلايا.

وقيل: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمَا وَهَنُوا} يرجع إلى: {قَاتَلَ} إلى المقاتلين وفي " قتل " إلى الباقين.

وقوله: {وَمَا اسْتَكَانُوا}:

قيل: لم يذلّوا في عدو لهم، ولم يخضعوا لقتل نبيهم؛ بل قاتلوا بعده على ما قاتلوا معه؛ فهلا قاتلتم أنتم على ما قاتل عليه نبيكم؛ كما قاتلت القرون من قبلكم إذا أصيب أنبياؤهم، واللّه أعلم.

{وَاللّه يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}:

على قتال عدوّهم، وعلى كل مصيبة تصيبهم.

﴿ ١٤٦