١٧٠قال - تعالى -: {يُرزَقُونَ}: فيها، (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ (١٧٠) وقيل: إن الناس كانوا يقولون فيما بينهم: من قتل بـ " بدر وأحد " مات فلان ومات فلان؛ فقال اللّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّه أَمْوَاتٌ}. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ}: روي عن مسروق، قال: سألت عبد اللّه بن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه. . .} الآية؛ قال: سألت عن ذلك رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فقال: " أرْوَاحُهُم عِنْدَ اللّه في حَوَاصِلٍ طَيرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَة بِالْعَرشِ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيها شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلِهَا. . . " والحديث طويل. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ. . .} الآية: عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: " تَنْزِلُ عَلَيهِم صُحُفٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا مَنْ يَلْحَقُ بِهِم مِنَ الشّهَدَاءِ؛ فَبِذَلِك يَسْتَبْشِرُونَ ". وقيل: " يَسْتَبْشِرُونَ " لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم؛ بما قَدِموا عليه من الكرامة والفضل والنعم، الذي أعطاهم اللّه. وقيل: " يَسْتَبْشِرُونَ "، يعني: يفرحون {بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ}، يعني: من بعدهم من إخوانهم في الدنيا: رأوا قتالا؛ استشهدوا " فلحقوا. وقيل: {لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ}: الذين يدخلون في الإسلام من بعدهم. والاستبشار: هو الفرح أو طلب البشارة؛ كأنهم طلبوا البشارة لقومهم؛ ليعلموا بكرامتهم عند اللّه ومنزلتهم؛ كقول من قال: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧). وقيل: إن الحياة على ضربين: حياة الطبيعي، وحياة العَرَضِي، وكذلك الموت على وجهين. موت الطبيعي، وموت العرضي، ثم حياة العرضي على وجوه: أحدها: حياة الدّين والطاعة؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}. وحياة العلم والبصيرة واليقظة، يسمي العالِم حيًّا، والجاهل ميتًا. وحياة الزينة والشرف، على ما سمى اللّه - تعالى - الأرض ميتة في حال يبوستها، وحيَّةً: في حال خروج النبات منها بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا}. وحياة الذكر واللذة؛ فجائز أن يكون اللّه - تعالى - لما أخبر أنهم أحياء عند ربهم أن يكون لهم حياة من أحد الوجوه التي ذكرنا: حياة ذكر ولذة، أو حياة زينة وشرف، أو حياة العلم لهم بأهل الدنيا على ما كان لهم قبل ذلك، أو حياة دين وعبادة، أو يُجري عليهم أعمالهم على ما كان لهم قبل الشهادة، وإن كانت أجسادهم في الحقيقة ميتة في أحكام الدنيا عند أهل الدُّنيَا، وهذا يقوي قولنا في المرتد: إنه إذا لحق بدار الحرب يحكم في نفسه وماله بحكم الموتى في قسمة المواريث، وقضاء الديون وغيرها، وإن كان هو في الحقيقة حيًّا على ما حكم في أموال الشهداء وأنفسهم بحكم الموتى في حكم الدنيا؛ لما لا يعودون إلى الدنيا، وإن كانوا عند ربهم أحياء؛ فعلى ذلك يحكم في نفس المرتد وأمواله بحكم الموتى؛ لما لا يعود إلى دارنا، وإن كان هو في الحقيقة حيًّا عند اللّه لما جاز أن يكون حيًّا عند اللّه، ميتًا عندنا، وجاز أن يكون ميتًا عندنا حيًّا عند اللّه، واللّه أعلم. وحياة الطبيعي: هو حياة جوهر، وما به يقوم النفس، وموت الطبيعي هو هلاكه، وفوته واللّه أعلم. وموت العرضي: هو جهله؛ واللّه أعلم. |
﴿ ١٧٠ ﴾