٥وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ... (٥) فالسفيه -في الحقيقة- من يعمل عمل الجهال، كان جاهلا في الحقيقة أو لا؛ لما قد يلقب العالم به؛ إذا ضيع الحدود، وتعاطى الأفعال الذميمة؛ وعلى ذلك ما جاء من الكتاب بتسفيه علماء أهل الكتاب. ثم قد يسمى الجهال به؛ لما أن الجهل هو السبب الباعث على فعل السفه؛ فقوله - تعالى -: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} يحتمل ذلك الوجهين. وأي الأمرين كان ففيه التحذير للمعنى الذي بين من قوله: {الَّتِي جَعَلَ اللّه لَكُمْ قِيَامًا}: فإما إذا كانت قيامًا للمعاش أو للمعاد أو لهما، وطريق الإنفاق في الوجهين والإمساك لهما التدبر، ومراعاة الشرع، وتعاهد الأسباب، والوجهان جميعًا يمنعان الوفاء بما جعلت له الأموال؛ فحذر من أنعم بها عن تضييع ذلك بالتسليم إلى من ذكر، مع ما يكون في ذلك أن اتباع من يستحق أن يكون متبوعًا لمن حقه أن يجعل تابعًا، وذلك خارج عن حد الحكمة، وما يحمده العقل. ثم قد صرفت الآية إلى النساء بما جعل من إليه التدبير وهو الذي أنشأهن تحت أيدي الرجال في الأمور، مع وصف الرجال أنهم قوامون على النساء. وصرفت -أيضًا- إلى الصغار بما ضمن حفظ أموال مثلهم الكبار، وجعلوا مكفولين عند البالغين؛ فأموال البالغين أحق بذلك، وحقيقة السفه ما ذكرت. وجائز أن يكون المقصود بالذكر -من ذكر الصغار والنساء بما خاطب من حذر بالدفع إلى من ذكر- رزق أُولَئِكَ وكسوتهم، ولا يجب رزق الجهال والسفهاء في الأفعال على غيرهم؛ فيكون ما ذكروا أولى بمراد الآية، وإن كان للمعنى الذي قصد بالآية التي ذكرتهم - قد استحقوا. ولما غلبت تلك الأحوال على هَؤُلَاءِ جعل من ذكرت قوامًا عليهم، وقد ذكرت عن الحسن: أنه صرف الآية إلى الكفار؛ فكأنه تأول في القيام - القيام بأمر الدِّين؛ والكفار لا يجوز الاستعانة بهم فيه؛ وله جعل المال عنده مع ما كره العلماء تسليط الكفار العقوبة؛ لجهلهم بحق شرع الإسلام فيها؛ فمثله دفع الأموال إليهم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الَّتِي جَعَلَ اللّه لَكُمْ قِيَامًا} عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: {الَّتِي جَعَلَ اللّه لَكُمْ قِيَامًا}، يعني: قوام أمركم ومعيشتكم، وهو هكذا جعل اللّه هذه الأموال أغذية للخلق، بها يقوم دينهم وأبدانهم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} يقول: لا تؤتوهم، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم. وقيل: يقول: أنفقوا عليهم منها، وأطعموهم. وقيل: لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} قيل: عِدَةٌ حسنة جميلة: سأفعل وسأكسو. وقبل: مروهم بالمعروف، وانهوا عن المنكر. وقيل: علموهم الأدب والدِّين، وقولوا لهم كلام البر واللين واللطف. |
﴿ ٥ ﴾