٣٧

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ... (٣٧)

يحتمل أن تكون الآية تفسيرًا لما تقدم من قوله: {إِنَّ اللّه لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} ووصف لهم؛ إذ لا يتكلم بمثله إلا عن تَقَدُّمِهِ.

ويحتمل على الابتداء؛ كقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ. . .} الآية.

ثم يحتمل وجوهًا:

يحتمل قوله: يبخلون بما عندهم من الأموال، ويأمرون الناس به، وهكذا دأب كل بخيل أنه يبخل ويأمر به غيره.

ويحتمل: يبخلون بما عندهم من العلوم والأحكام، لم يُعَلِّمُوا غيرهم، ويأمرون الناس بذلك.

ويحتمل قوله: يبخلون بإظهار نعت مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويأمرون الناس به؛ ألا ترى أنه قال: {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ} أي: يكتمون نعت مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصفته.

ويحتمل قوله: {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ} أي: يكتمون، من العلوم والحكمة.

ويحتمل: ما ذكرنا: أنهم يكتمون ويبخلون بما آتاهم اللّه من فضله من الأموال، ولا ينفقونها، وفي ترك الإنفاق والتصدق كتمان ما أنعم اللّه عليهم، وعلى ذلك روي عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " مَنْ أَتَاهُ اللّه نِعْمَة فَلْتُرَى عَلَيهِ " لعله أراد بقوله: " تُرَى عَلَيهِ " أن ينفقها على نفسه ويتصدق بها ويلبسها.

وجائز أن يكون أراد - واللّه أعلم - الإنفاق والتصدق على غيرهم، فعلى ذلك كتمان ما آتاهم اللّه من الأموال إذا تركوا الإنفاق على غيرهم؛ لأن من كانت له الأموال لا يترك الإنفاق على نفسه.

 وقيل في قوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} نزلت في كعب بن الأشرف كتم نعت مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وكتب إلى الرؤساء من اليهود في الآفاق يأمرهم بكتمانه.

وأيضًا، في قوله: {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}: أي: بما أنعم اللّه عليهم من الأموال، أو بما بين لهم من صفات الرسول - عليه أفضل الصلوات - أو بما أمروا به من العبادات، حملهم على الكفر أحد هذه الأوجه الثلاثة؛ أو كانوا استحلوا أحدها، فكفروا بذلك، لزمهم الذي ذكر في القرآن، واللّه أعلم.

وكتمانهم يرجع إلى كتمان النعت والحقوق والعبادات في أنفسهم؛ لئلا يعرفوا بالعدول عليهم عما في كتبهم، وذلك تحريفهم، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}

ظاهر، قد ذكرناه في غير موضع.

* * *

﴿ ٣٧