٥٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا}

يحتمل الآيات: أعلام الدِّين وآثاره.

ويحتمل الآيات: آيات الربوبية له.

ويحتمل الآيات: أعلام رسالة الرسول عفًيِلى؛ فيكون الكفر بها كفرًا باللّه.

وقوله - تعالى -: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا}

قيل: {نُصْلِيهِمْ}: ندخلهم، وقيل: {نُصْلِيهِمْ}: نشويهم؛ يقال: شاة مصلية، أي: مشوية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}:

كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها، أي: جددنا لهم جلودًا غيرها؛ ليزدادوا التهابًا وإيقادًا من غير أن يسكن ألم العذاب، فهو من حيث التجديد غير؛ لأن الأولى قد احترقت ونضجت، ومن حيث العين نفسها هي الأولى، ألا ترى ما يقال: تبدل فلان، فإنما يقال من حيث تغيره من لون إلى لون، لا أن كانت تحولت نفسه وتبدل من حال إلى حال؛ فعلى ذلك قوله: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} هي من حيث العين أنها تلك بعينها واحد، وعلى ذلك البعث بعد الموت، والإنشاء هو من حيث التجديد غير، حيث تفانوا وذهبت آثارهم، ومن حيث الإعادة إلى الحالة الأولى هم بأنفسهم ليسوا بغير، وعلى ذلك قد سمي البعث خلقًا جديدًا، وإن كان بعث الأولى في المعنى.

ثم تكلموا في قوله - تعالى -: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} قالوا: كيف كان أن يعذب جلودًا لا مأثم فيها، وإنَّمَا المأثم في الجلود التي احترقت ونضجت، وقالوا: أيدنا فيمن قطع يده وهو كافر، ثم أسلم، فمات على الإسلام، ما حال اليد المقطوعة، تعذب في النار، أو تكون مع النفس في الجنة؟ وفيمن قطعت يده وهو مسلم، ثم كفر، فمات على كفره، تلحق النفس أو تكون في الجنة؟

فالجواب لهذا كله: أن الجوارح والأعضاء ليست تعمل ما تعمل بالاختيار والطوع، ولكنها كالمكرهات والمقهورات في العمل؛ ألا ترى أن الإكراه عليها يوجب تحويل الفعل منها إلى المكره، فيجعل كأن المكره هو الذي قد فعل ذلك في حق الضمان؛ فهذا يدل أن هذه الجوارح كالمكرهات والمقهورات لحقت النفس حيث كانت.

ثم معلوم: أن من أسلم في آخر عمره يتمنى سلامة جوارحه التي كانت ذهبت عنه؛

 ليعمل بها في طلب مرضاة ربه - تعالى - وكذلك من كفر بعد الإسلام يتمنى سلامة جوارحه؛ ليستعملها فيما اختار من الدِّين، فإذا كان كذلك لحقت النفس حيث كانت في طاعتها ومعصيتها.

وقالت فرقة من الملحدة: إن الثواب في الآخرة لا يكون لهذه النفس التي تأكل، وتشرب، وتعمل كل ما تعمل، ولكن إنما يكون للروحاني الذي جوهرها جوهر النور، لكن هذه النفس ممتحنة في الدنيا بالأكل والشرب، مشوبة بالآفات والعيوب، فإذا صفت عن الآفات، ونزهت عن العيوب التي بها امتحنت - صارت أهلًا للثواب العظيم، ومحلًا للجزاء الجزيل، وباللّه العصمة والنجاة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}

أما ذوق الطعام والشراب يكون بالفم؛ ليعرف طعمه ولذته، وأما ذوق العذاب فإنما يكون بكل جارحة منه؛ ليجد ألم ذلك في جميع الجوارح، واللّه أعلم.

والذوق في العرف جُعِلَ ليعرف الطعم، يلقب به كل شيء يعرف؛ يقال: لفلان ذوق في أمر كذا: أي بصر ومعرفة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ اللّه كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}

قيل: العزيز: هو ما يتعزز وجوده في الشاهد.

وقيل: هو عزيز لا يعجز، فهو عزيز لما لا يوجد في الأفهام، ولا يدرك بالأوهام.

وقيل: العزيز: المنتقم، وقد ذكرناه في غير موضع.

﴿ ٥٦