٨٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ... (٨٤)

قوله: {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} يحتمل وجهين:

أي: ليس عليك حسابهم ولا جزاء تخلفهم، إنما حساب ذلك عليهم؛ كقوله - عز وجل -: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}.

والثاني: {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}

أي: تكلف أنت بالقتال والجهاد، وإن تخلف هَؤُلَاءِ عن الخروج معك؛ يؤيد ذلك ما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: هذا حين استنفر النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أصحابه - رضي اللّه عنهم - بوعد أبي سفيان بدرا الصغرى، فخذله الناس؛ فأنزل اللّه - تعالى - هذه الآية؛ فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لَأخْرُجَن إِلَى بَدْرٍ وَإِنْ لَم يتبِعْنِي أَحَدٌ مِنْكُم "، فاتبعه أقل الصحابة - رضي اللّه عنهم - وقالوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل.

وفيه دليل وعد النصر له والفتح، والنكبة على الأعداء؛ لأنه تكلف الخروج وحده؛ فلو لم يكن وعد النصر له - لم يؤمر بالخروج؛ ألا ترى أنه قال اللّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {عَسَى اللّه أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، و " عسى " من اللّه - تعالى - واجب.

وفي قوله - تعالى -: {عَسَى اللّه} وعد نصره وإن خرج وحده؛ إذ الـ " عسى " هو من اللّه واجب.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: و {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} يحتمل وجوهًا:

يحتمل: حرض المؤمنين بالثواب لهم وكريم المآب على ذلك.

ويحتمل قوله - تعالى -: و {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ لما في القتال معهم إظهار دين اللّه - الإسلام - وفي ترك المجاهدة والقتال معهم نصر العدو عليهم، وإظهار دينهم، أمر - عز وجل - رسوله - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ليرغبهم في مجاهدة أعدائهم.

 والثالث: وحرض المؤمنين على المجاهدة والقتال معهم؛ وعدًا بالنصر لهم، والفتح، والغنيمة، واللّه أعلم.

وقوله - عز وجل -: {عَسَى اللّه أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.

والـ " عسى " من اللّه واجب؛ وعد اللّه نبيه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يكف عنهم بأس الذين كفروا.

وتجوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاللّه أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}.

قيل:

وقوله: {أَشَدُّ بَأْسًا}؛ لما يدفع بأس المشركين عنكم، ولا يقدرون هم دفع بأس اللّه عن أنفسهم؛ فبأس اللّه أشد.

وقوله - سبحانه -: {وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}، قيل: التنكيل: هو العذاب الذي يكون للآخر فيه زجر ومنع.

وقيل: حين قال له: {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}؛ ولو لم يتبعك أحد من الناس - لكف اللّه عنك بأس المشركين.

وقيل: البأس: هو عذاب الدنيا، والتنكيل والنكال: هو عذاب الآخرة؛ كأنه يخوفهم ببأسه؛ لتخلفهم عن العدو ومخافة بأسهم وعذابهم؛ فأخبر اللّه - عَزَّ وَجَلَّ -، أن بأس اللّه وعذابه أشد من بأس الأعداء، واللّه أعلم.

﴿ ٨٤