٩٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّه بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} وليس فيه بيان أنه ابتلى بالأمر فيه أو بالنهي، لكن بيانه في آية أخرى: أن الابتلاء إنما كان بالنهي عن الاصطياد بقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، دل هذا على أن المحرم كان منهيا عن الاصطياد بقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ}، وأن الابتلاء الذي ذكر في الآية كان بالنهي عن الاصطياد، واللّه أعلم.

ثم اختلف في الآية:

قَالَ بَعْضُهُمْ: النهي بشيء من الصيد لأهل الحرم؛ ألا ترى أنه روى في الخبر قال: " لَا يُنَفَرُ صَيدُهَا، وَلا يُخْتَلى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا " فكان الابتلاء بالنهي عن الصيد لأهل الحرم؛ لما أخبر أنه لا ينفر صيدها، وأما المحرم فإنما نهي عن الاصطياد

بقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وبقوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.

وقال آخرون: الابتلاء بالنهي عن الاصطياد للمحرمين، وفي قوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} نهي عن قتله، وهنالك نهي عن أخذه بقوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ}.

وقوله - تعالى -: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ}: أي: في بعض الصيد دون بعض؛ لأن المحرم لم ينه عن أخذ صيد البحر وإنما نهي عن أخذ صيد البر بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} وقال - تعالى -: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} فذلك معنى قوله: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ}، واللّه أعلم.

ويحتمل على التقديم والتأخير، كأنه قال: ليبلونكم اللّه بشيء تناله أيديكم ورماحكم من الصيد، واللّه أعلم.

ثم اختلف في قوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ}:

قَالَ بَعْضُهُمْ: ما تناله الأيدي هو البيض؛ وعلى هذا يخرج قولنا: إن المحرم منهي عن أخذ البيض، فإن أخذ بيضا فإن عليه الجزاء، والذي يدل على ذلك ما روي أبو هريرة - رضي اللّه عنه - قال: قال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " فِي بَيضِ النَّعَامِ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إِطْعَامُ مِسكِينٍ ".

وعن كعب بن عجرة أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قضى في بيض نعام أصابه محرم بثمنه.

وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - عليه ثمنه أو قيمته.

وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - مثله.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: تناله أيديكم: هو صيد الصغار، وهي الفراخ التي لا تطير فتؤخذ بالأيدي أخذا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَرِمَاحُكُمْ}:

قَالَ بَعْضُهُمْ: ما رميت وطعنت.

وقيل في قوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ}: ما يؤخذ بغير سلاح، {وَرِمَاحُكُمْ}: ما يؤخذ بالسلاح من نحو: النبل، والرماح، وغيرهما من السلاح.

ثم في الآية دلالة أن المحرم قد نهي عن أخذ الصيد، وكذلك في قوله - تعالى -: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، والاصطياد: هو الأخذ لا القتل، وإنما النهي عن القتل في قوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِيَعْلَمَ اللّه مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}

ليعلم ما قد علم أنه يكون كائنا، أو أن يقال: ليعلم ما قد علم غائبًا عن الخلق شاهدًا؛ كقوله - تعالى -: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. . .} الآية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: يخافه بالغيب: بغيب الناس؛ أي: يخافه وإن لم يكن بحضرته أحد.

وقال آخرون: يخاف العذاب بالأخبار وإن لم يشهد ويصدق، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ}

أي: من استحل قتل الصيد بعد ما ورد النهي والتحريم {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

والثاني: من اعتدى على الصيد بعد النهي على غير استحلال، {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إن شاء عذب، وإن شاء عفا، وإذا عذب كان عذابه أليمًا.

﴿ ٩٤