١٠٤قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}. قيل: بينات من ربكم. وقيل البصائر الهدى، بصائر في قلوبهم، وليست ببصائر الرءوس وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقيل: بصائر، أي: بيان، وهو واحد. وقيل: بصائر شواهد، أي قد جاءكم من اللّه شواهد تدلكم على ألوهيته، وهو كقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}، أي: بل الإنسان من نفسه بصيرة، أي: شاهدة؛ فشهدت كل جارحة منهم على وحدانية اللّه وألوهيته. ألا ترى أنه قال: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ هذا - واللّه أعلم - لأنهم كانوا يقلدون آباءهم في عبادة الأوثان والأصنام، ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللّه زُلْفَى}، {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه}؛ فيقول: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} من الآيات والرسل ما لو اتبعتموهم، لكانوا لكم شفعاء عند اللّه. والثاني: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ}: ما لو تفكروا وتدبروا ونظروا فيها، لعرفوا أنها بصائر من اللّه؛ لأن البشر أنشئوا بحيث ينظرون في العجيب من الأشياء؛ فكانوا على أمرين: منهم من نظر وتفكر وعرف أنها بصائر، لكنه عاند وكابر ولم يعمل بها، ومنهم من ترك النظر فيها؛ فعمي عنها، ما لو تفكروا ونظروا لتبين لهم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}. أي: أبصر الحق والهدى وعمل به، فلنفسه عمل، ومن أبصر وعمي عنها - أي: ترك العمل - فعليها ترك؛ كقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}. فَإِنْ قِيلَ: ذكر في آية أخرى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} أخبر أن من هلك هلك عن بينة، ومن حي حي عن بينة، وهاهنا يقول: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}: ذكر عمي عليها؛ فكيف وجه التوفيق بينهما؟! قيل: يحتمل قوله: {عَمِيَ} بعد ما تبين له، فترك العمل به؛ فعليها ذلك؛ لأنه أبصرها، وعرف أنها من اللّه، لكنه عاندها وكابرها. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}. أي: قد جاءكم بصائر من ربكم، فليس علينا إلا التبليغ؛ كقوله: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}. |
﴿ ١٠٤ ﴾