| ٩وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (٩) قال الحسن: {بِآيَاتِنَا}: ديننا يكذبون، ولكن كذبوا حججنا. {يَظْلِمُونَ} أي: يضعونها في غير موضعها، وهو ما ذكر من ظلمهم الآيات؛ لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، ثم المسألة فيمن ارتكب كل ذنب وكبيرة في حال كفره عمره ثم آمن في آخره، صار ما كان ارتكب في حال كفره من الكبائر مغفورًا معفوا عنه غير مؤاخذ بها، ومن ارتكب ذلك في حال إيمانه، وختم على الإيمان لم يعمل الإيمان في تكفيره وكان مؤاخذًا به، وذلك واللّه أعلم؛ لوجهين: أحدهما: أن ليس على الكافر أنفس أفعال الطاعات وأعينها، إنما عليه قبول تلك الأعمال، فإذا أسلم، فقد قبلها ولم يكن عليه في ذلك الوقت إلا القبول؛ لذلك لم يؤاخذ بما كان منه من الأعمال. وأما المؤمن فعليه أنفس أفعال تلك الطاعات، وتلك الأعمال، وقد كان منذ القبول آخذا بما كان منه التفريط في تلك الأعمال. والثاني: أن الكافر إذا أسلم بعد ما ارتكب من الكبائر؛ لم يجرح إيمانه، ولا أدخل فيه نقصًا؛ فلم يؤاخذ بما كان منه لما قدم على ربه بإيمان كامل. وأما المؤمن إذا ارتكب كبائر فقد جرح الإيمان، وأدخل فيه النقصان بعمله الذي يخالف الإيمان، ولا يوافقه؛ لذلك افترقا. ويشبه أن يكون قوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} على التمثيل ليس على تحقيق الميزان والخفة، ولكن على الوصف بالعظم لأعمال المؤمنين وبالخفة والتلاشي لأعمال الكافرين؛ لأن اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - ضرب لأعمال المؤمنين المثل بالشيء الثابت والطيب، ووصف أعمالهم بالثبات والقرار فيه، وضرب لأعمال الكافرين المثل وشبهها بالشيء التافه التالف، ووصفها بالبطلان والتلاشي كقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}: وصف أعمالهم بالطيب والثبات والقرار، ووصف أعمال الكافرين بالخبث والتلاشي والبطلان كقوله: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} وقال في آية أخرى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} وكقوله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، ونحوه من الآيات: وصف أعمال المؤمنين بالثبات والقرار، وأعمال الكفرة بالذهاب والبطلان؛ فعلى ذلك قوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} وصف بالعظم والقرار والثبات، وقوله: [{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}] وصف بالبطلان والتلاشي ألا يكون لهم من الخيرات: أشيء ينتفعون به، في الآخرة، واللّه أعلم. * * * | 
﴿ ٩ ﴾