٦٩وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) يحتمل قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ} وجوهًا: أحدها: أنه جعلكم خلفاء قوم أهلكهم بتكذيبهم الرسل، ولم يهلككم، فاحذروا أنتم هلاككم بتكذيبكم الرسول كما أهلك أُولَئِكَ بتكذيبهم الرسل. أو أن يقال: جعلكم خلفاء قوم صدقوا رسولًا من البشر وهو نوح، فكيف كذبتموني في دعوى الرسالة لأني بشر ودعائي إلى عبادة اللّه ووحدانيته؟! هذا تناقض. والثاني: أن اذكروا نوحًا وهو كان رسولاً من البشر، فكيف تنكرون أن يكون الرسول أبشرًا؛ وكان الرسل جميعًا من البشر. والثالث: أن اذكروا نعمة اللّه التي أنعمها عليكم من السعة في المال، والقوة في الأنفس، وحسن الخلقة، والقامة، وكان لعاد ذلك كله؛ كقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧). . . .). هذا في السعة في المال، وأما القوة في الأنفس والقامة ما ذكر في قوله: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} أو قوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}، فيه وصف لهم بالقوة، وطول القامة، وعلى ذلك فسر بعض أهل التأويل. وقوله: {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} يعني: قوة وقدرة. وقال غيره: هو الطول والعظم في الجسم، وذكر اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - في عاد أشياء أربعة خصَّهم بها من بين غيرهم. أحدها: العظم في النفس؛ كقوله: {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}. والقوة، في قوله: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}. والسعة في الأموال بقوله: (بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ). وفضل العلم بقوله: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللّه}. قَالَ بَعْضُهُمْ: الآلاء: هي في دفع البلايا، والنعماء هي في سوق النعماء إليه، ولكن هما واحد؛ لأنه ما من بلاء يدفع عنه إلا وفي ذلك سوق نعمة أخرى إليه؛ ولأن اللّه - تعالى - ذكر في سورة الرحمن الآلاء بجميع ما ذكر إنما ذكر على سوق النعم إليه قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} حيث قال: (الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)، إلى آخر ما ذكر من السورة، وهو ذكر في سوق النعم لا في دفع البلايا. وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. أي: تفلحون إن ذكرتم نعمه، وشكرتم له عليها، ولم تصرفوا عبادتكم وشكركم إلى غيره، أو يقول: لكي يلزمكم الفلاح، أو حتى تكونوا من أهل الفلاح. |
﴿ ٦٩ ﴾