٨٠

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}.

ذكر في غيره من الأنبياء دعاءهم قومهم إلى عبادة اللّه ووحدانيته، على ما قال نوح: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وكذلك قال هود، وصالح، وشعيب، وغيرهم من الأنبياء، ولم يذكر في لوط ذلك هاهنا، ولا يحتمل أن لم يكن منه الدعاء إلى ما كان من غيره من الأنبياء إلى توحيد اللّه وعبادته قبل النهي عن

الفواحش، والتعيير عليها، وهو ما ذكر في آية أخرى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللّه وَأَطِيعُونِ (١٦٣). لأنه كان من الأنبياء - صلوات اللّه وسلامه عليهم - دعاء قومهم إلى عبادة اللّه، ووحدانيته أولًا، ثم النهي عما ارتكبوا من الفواحش والمعاصي، والتعيير عليها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} قوله: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} يحتمل أن يكون منهم ما كان من سائر الأقوام تقليد الآباء في العبادة لغير اللّه؛ كقولهم: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّه وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} وقولهم: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، و {مُقْتَدُونَ}،

وقوله: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، ونحو ما قالوا؛ فعلى ذلك من قوم لوط للوط لما دعاهم إلى عبادة اللّه، ووحدانيته، فأجابوه بما أجاب الأقوام لأنبيائهم من التقليد لآبائهم؛ فقال: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}، أي: تعملون أنتم أعمالًا لم يعملها آباؤكم، ولا تقلدون آباءكم في تركها من نحو ما ذكر من إتيان الفاحشة، فقال: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} يعيرهم، ويسفه أحلامهم في إتيان ما يأتون من الفاحشة التي لم يسبقهم أحد من العالمين، على علم منهم أن ذلك فاحشة.

ألا ترى أنهم قالوا: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} دل هذا القول على أن ما يأتون من الفواحش يأتون على علم منهم أنها فواحش؛ حيث قالوا: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.

ثم قوله: {الْفَاحِشَةَ} لما في العقل والشرع؛ لأن ما حرم من المحرمات على الخلق، وأحل المحللات محنة منه لهم على ذلك، ثم جعل فيما أحل لهم من الأطعمة

والأشربة والاستمتاع بالنساء والجواري دوامًا لهذا العالم؛ لأنهم لو تركوا التناول من ذلك لهلكوا، فإذا هلكوا انقطع هذا العالم لما ينقطع نسلهم، ثم ركب فيهم الشهوات

 والحاجات التي تبعثهم على التناول مما أحل لهم ليدوم هذا العالم؛ لأنه ما أحل لهم للشهوة خاصة، ولكن لما ذكرنا فأخبر أن ما يأتون هم هو فاحشة؛ لما ليس إتيانهم إياها إلا لنفس قضاء الشهوة، إذ ليس في ذلك دوام العالم وبقاؤه، فهو في العقل فاحش محرم، وإنْ لم يرد فيه النهي، واللّه أعلم.

﴿ ٨٠