٥

قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥)

يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} لم يخرج لهذا الحرف جواب في الظاهر؛ لأن جوابه أن يقول: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق يفعل بك كذا، ثم أهل التأويل اختلفوا في جوابه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: هو صلة قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ} يقول: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ) وكما كرهوا الخروج وجادلوك في قسمة الأنفال، جادلوك في أمر العير.

ومنهم من يقول: جوابه في أمره بالقتال، يقول: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وهم كارهون لذلك كذلك يكلفك القتال وهم كارهون لذلك.

ومنهم من يقول: جوابه في قوله: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} ويقول: كما أجبتم اللّه في الخروج للقتال على غير تدبير منكم في ذلك ولا نظر، فعلى ذلك يجيبكم في النعاس أمنة منه وإنزال الماء من السماء والتطهير به وتثبيت الأقدام، على غير علم منكم ولا تدبير.

ومنهم من يقول: قوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ} غير متأهبين للقتال ولا مستعدين

 له، كذلك يعدكم النصر والظفر، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {بِالْحَقِّ} يحتمل وجوها، يحتمل: بالحق الذي للّه عليهم من الأمر بالخروج والقتال، ويحتمل بالحق: بالوعد الذي وعد؛ إذ وعد لهم النصر والظفر، وقال بعض أهل التأويل {بِالْحَقِّ} أي بالقرآن، ولكن إن كان فهو ما ذكرنا بالأمر الذي يأمر القرآن.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يحتمل وجهين:

يحتمل: فريقًا من المؤمنين في الظاهر وهم المنافقون كرهوا الخروج للقتال.

ويحتمل: أن يكون المؤمنون في الحقيقة كرهوا الخروج للقتال كراهة الطبع لا كراهة الاختيار، لما أمروا بالخروج للقتال أوهم غير متأهبين للقتال، ولا مستعدين؛ فكرهت أنفسهم ذلك كراهة الطبع لما لم يكن معهم أسباب القتال، لا أنهم كرهوا أمر اللّه كراهة الاختيار.

وفي هذه الآية دلالة أن الأمر قد يكون في الشيء وإن لم يعلم وقت الأمر فيما يؤمر، وفيه دليل جواز تأخر البيان؛ لأنهم أمروا بالخروج للقتال ولم يعلموا وقت الخروج على ماذا يؤمرون.

﴿ ٥