٥٥

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّه الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ذكر هاهنا شر الدواب عند اللّه الذين لا يؤمنون وذكر، في آية أخرى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّه الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، هم شر الدواب؛ حيث سمعوا الآيات والحق وعقلوها فلم يؤمنوا بها، أي: لم ينتفعوا بما عقلوا مما وقع في مسامعهم، ومما درسوا كمن لا سمع له ولا لسان، نفى عنهم ذلك؛ لما لم ينتفعوا بما عقلوا.

ويحتمل أن يكون في الآخرة، أي: يبعثون يوم القيامة صمًّا بكمًا عميًا؛ لما لم ينتفعوا في الدنيا بهذه الحواس؛ كقوله: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا. . .} الآية.  

وقوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّه}.

{الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وهو كما ذكر في آية أخرى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}، أخبر أن الذين كفروا وكذبوا بآياته أضل من الأنعام، وقد ذكرنا فائدة قوله: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} في موضعه.

ويحتمل قوله: {شَرَّ الدَّوَابِّ} أي: شر من يدب على وجه الأرض من الممتحنين {الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، ثم ليكونوا بهذا الوصف إذا ختموا بالكفر وترك الإيمان.

ثم اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: نزل في بني قريظة؛ حيث عاهدوا رسول اللّه، ثم أعانوا مشركي مكة على رسول اللّه بالسلاح وغيره، فأقالهم رسول اللّه، وكانوا يقولون: نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم ثانية، فنقضوا العهد، فذلك

﴿ ٥٥