١٠٠

قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}.

يحتمل هذا أن يكون مربوطًا معطوفًا على قوله: {سَيُدْخِلُهُمُ اللّه} مع السابقين الأولين، أي: أُولَئِكَ الذين آمنوا من بعد أُولَئِكَ المهاجرين والأنصار يدخلهم في الجنة مع السابقين الأولين.

ويحتمل أن يكون على الابتداء، لا على العطف على الأول، ثم اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: السابقون الأولون في الإسلام والنصرة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الأولون في الهجرة والنصرة.

{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} أي والذين اتبعوا أُولَئِكَ في الإسلام على تأويل من جعل السابقة في الإسلام، وعلى تأويل من جعل على الهجرة اتبعوهم بإحسان فريقين: المهاجرين والأنصار، ولا يجعل طبقة ثالثة، وأمّا قراءة العامة من القراء فهي على إثبات الواو، وجعل طبقة ثالثة.

ثم منهم من قال من أهل التأويل: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار:

الذين بايعوا بيعة الرضوان.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هم الذين صلوا إلى القبلتين.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: السابقون إلى الإسلام: الأولون من المهاجرين والأنصار الذين صلوا إلى القبلتين، والذين اتبعوهم على دينهم إلى يوم القيامة بإحسان.

ثم خصوص تسمية أهل المدينة أنصارًا وإن كانوا هم والمهاجرون جميعًا نصروا رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وكانوا أنصارًا له؛ فهو - واللّه أعلم - لأنهم نصروا المهاجرين؛ حيث آووهم، وأنزلوهم في منازلهم وأوطانهم، وبذلوا لهم أنفسهم وأموالهم، وإن كانوا جميعًا في النصر لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شرعًا سواء.

ثم في الآية دلالة الرد على الروافض؛ لأنهم يجعلون أبا بكر، وعمر، وهَؤُلَاءِ - رضي اللّه عنهم - ظلمة، على الحق بتوليهم أمر الخلافة والإمامة؛ لأنه معلوم أنهم

 كانوا فيما ذكر عَزَّ وَجَلَّ من المهاجرين والأنصار.

ثم أخبر أن اللّه راضٍ عنهم، وأنهم راضون عنه، دل أنهم كانوا على حق وصواب من الأمر، وأن من وصفهم بالظلم والتعدي هو الظالم. والمتعدي: واضع الشيء غير موضعه.

وفيه دلالة جواز تقليد الصحابة والاتباع لهم، والاقتداء بهم؛ لأنه مدح - عز وجل - من اتبع المهاجرين والأنصار بقوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}، ثم أخبر عن جملتهم أن اللّه راضٍ عنهم دل - واللّه أعلم - أن التقليد لهم لازم، والاقتداء بهم واجب، وإذا أخبروا بخبر أو حدثوا بحديث يجب العمل به، ولا يسع تركه، واللّه أعلم بذلك.

﴿ ١٠٠