٥

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)

دل قوله: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} على أن ما رأى يوسف من سجود الكواكب له، وسجود الشمس والقمر أنه إنما كان رأى ذلك في المنام، ويدل ما ذكر في آخره أيضًا على ذلك، وهو قوله: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}، ودل قوله: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} أن يعقوب إنما عرف ذلك بالوحي؛ حيث قطع القول في قوله: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}، ولم يستثن في ذلك، وقد فعلوا به ما قال.

وفيه دلالة أن إخوته قد كانوا يعرفون تعبير الرؤيا، وكانوا علماء حكماء؛ حيث قال: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ}، لأنهم لو كانوا لا يعرفون تأويلها ولا علموا تعبيرها لم يكن لينهاه عن أن يقص على إخوته؛ لأنه لو قصها أو لم يقصها إذا لم يعلموا سواء، وفيه دلالة أن الأخ لا يتهم في أخيه، ويكون من الأخ الخيانة إلى أخيه، والأب والأم

 يتهمان في الابن، والولد يتهم في والديه، ولا يكون من بعض إلى بعض خيانة في الغالب؛ لأن يعقوب نهى ولده يوسف أن يقصها على إخوته، وأخبر أنهم إذا علموا بذلك كادوه وحسدوه، ولم ينهه بمثله في أمه؛ دل أن الأخ لا يتهم في شهادة أخيه، ويتهم الأب والأم في شهادتهما لولدهما، وكذلك الولد يتهم في والديه، ولهذا قال أصحابنا: إن شهادة الوالد لولده لا تقبل، وكذلك شهادة الولد لوالديه، وأما شهادة الأخ لأخيه تقبل وإنَّمَا كان كذلك؛ لما ينتفع الولد بمال والديه، والوالد بمال ولده، ولا ينتفع الأخ بمال أخيه، وكل من انتفع بمال آخر اتهم في شهادته له، ولم تقبل شهادته، وكل من لم ينتفع به قبلت، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.

ظاهر العداوة.

وقال موسى حين قتل ذلك الرجل: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} بدء كل شر يكون من الشيطان، يقذف في القلوب، ويخطر في الصدور، ثم تكون العزيمة على ذلك والفعل من العبد، وهو ما قال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّه}

وقال: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ. .} الآية.

والطيف والنزغ: هو القذف والوسوسة، فإذا ذكر اللّه ذهب.

وقيل: الكيد والمكر سواء، وهو قول أبي عَوْسَجَةَ.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الكيد: هو الاحتيال والاغتيال.

وقيل: الكيد: هو أن يطلب إيصال الشر به على غير علم منه؛ وكذلك المكر.

﴿ ٥