٦وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ}. الاستفعال يكون على وجهين: يكون طلب الفعل ويكون الفعل نفسه؛ كقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، قيل: أجيب لكم، وقوله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أي: ليجيبوا لي، وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} فإن كان على طلب الفعل؛ فهو ما سألوا رسول اللّه العذاب، كقوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}، وكقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}، وقولهم: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ. .} الآية، فبدءوا بسؤالهم الهلاك قبل سؤالهم، تأخير العذاب وإمهاله، وتأخير العذاب عندهم وإمهاله، من الحسنة؛ فاستعجلوا بهذا قبل هذا. وإن كان الفعل نفسه. فقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} أي: عجلوك - يا مُحَمَّد - بالسيئة إليك، قبل أن تكون منهم إليك حسنة؛ حيث كذبوك في الرسالة، وآذوك في نفسك، ولم يكن منهم إليك إحسان من قبل واللّه أعلم بذلك. وقيل: {بِالسَّيِّئَةِ}: العذاب؛ على ما ذكرنا. {قَبْلَ الْحَسَنَةِ}. أي: قبل العفو، وسؤالهم السيئة والعذاب بجهل منهم أنه رسول وأنه صادق؛ لأنهم لو علموا أنه رسول، وأنه صادق، فيما يخبر ويوعد من العذاب، كانوا لا يسألون؛ لأنهم يعلمون أن اللّه يقدر على أن ينزل عليهم العذاب، لكن سألوا ذلك؛ بجهلهم بأنه رسول سؤال استهزاء وسخرية. فإن كان على هذا سؤالهم - كان فيه دلالة أن العقوبة والعذاب؛ قد يلزم من جهل الأمر؛ إذا كان بسبيل العلم به والنظر والتفكر فيه، وهَؤُلَاءِ جهلوا أنه رسول اللّه؛ لتركهم النظر والتفكر. واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}. قَالَ بَعْضُهُمْ: العقوبات؛ أي: قد كان في الأمم الخالية العقوبات؛ بسؤالهم العذاب والمعاندة في الآيات إذا جاءت؛ كأنه - واللّه أعلم - يصبر رسوله على سفه قومه؛ لسؤالهم العذاب والآيات ثم المعاندة فيها، يقول: كان في الأمم الماضية من سؤال العذاب والآيات ثم المعاندة من بعد نزولها؛ فنزلت لهم العقوبات؛ فعلى ذلك هَؤُلَاءِ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: المثلات: الأمثال والأشباه. وكذلك ذكر في حرف حفصة (وقد خلت من قبلهم الأمثال) وتأويله - واللّه أعلم - أي: (وقد خلت من قبلهم الأمثال)؛ ما لو اعتبروا بها كان مثلا لهم، ولكن لا يعتبرون؛ فيمنعهم عن أمثال ذلك. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}. قَالَ بَعْضُهُمْ: {لَذُو مَغْفِرَةٍ} أي: لذو ستر على ظلمهم؛ وتأخير العذاب إلى وقت؛ كقوله: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ}، وقوله: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ}. وقَالَ بَعْضُهُمْ: لذو مغفرة للناس على ظلمهم إذا تابوا، وماتوا عليها، أو يكون قوله {لَذُو مَغْفِرَةٍ} للمؤمنين على ظلمهم، وإن ربك لشديد العقاب، لمن لم يتب، ومات على الظلم والشرك. وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} للكفار؛ وعلى التأويل الأول: وإِن ربك لشديد العقاب؛ إذا عاقب. |
﴿ ٦ ﴾