١٦وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللّه}. أمره أن يسألهم: من رب السماوات والأرض؟ ثم أمره أن يجيب هو لهم؛ فيقول اللّه وهو في الظاهر دعوى، أكثر ما في هذه الآية دعوى، وبعضه حجاج، وهو قوله: {لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا}، وقوله: {خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} لأنهم يقرون بهذا؛ لا يخلقون كخلقه؛ ولا يملكون دفع الضر؛ ولا جَرّ النفع. وقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. {قُلْ} إنما أمره أن يسألهم من رب السماوات والأرض، ولم يقل من ربكم فإنما أمره أن يسألهم ما لا يتجاسرون أن يقولوا الأصنام التي يعبدونها هي أرباب السماوات والأرض فلا بد أن يقروا اللّه رب السماوات والأرض، فإذا أقروا بهذا أنه رب السماوات والأرض قد دخل ما في السماوات والأرض في ربوبيته، إذ السموات والأرض، إنما خلقهما لأهلهما؛ فإذا كان ربَّ السماوات والأرض - كان ربَّ ما فيهما. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللّه} أمره أن يسألهم ثم يسبقهم بالإجابة؛ لأنه هو السابق بكل خير، وهم يجيبون له أنه رب السماوات والأرض. دليله: حرف أبي وابن مسعود وحفصة؛ حيث قرءوا (من رب السماوات والأرض قالوا اللّه) يدل إنه أمره أن يسبقهم بالإجابة، كما كان هو السابق على كل خير. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}. يقول - واللّه أعلم - إذا أقررتم أن رب السماوات والأرض هو اللّه؛ وهو الإله؛ فكيف اتخذتم من دونه هذه الأصنام آلهة أربابًا وعبدتموها أو كيف جعلتم من ليس هو رب السماوات والأرض - أولى ممن أقررتم بالعبادة له أنه ربهما؟ واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} إذ لا يملكون نفعًا لأنفسهم، ولا دفع الضر عنها؛ فكيف يملكون نفع غيره أو دفع ضر عن غيره؟ فعرفهم أنهم لا يملكون ذلك؛ وأن اللّه هو المالك؛ فكيف تركتم عبادة من يملك ذلك؛ وعبدتم من لا يملك؟. فيخرج تأويله على وجهين: أحدهما: يقول: لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرا، فكيف اتخذتم دون اللّه آلهة؟. والثاني: لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا مع وجود الحاجة فيها؛ فكيف تعبدون على رجاء النفع لكم بقولكم: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه}. وقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}. أي: تعلمون أن الأصنام التي تعبدونها أنها عمي لا تبصر شيئًا؛ واللّه هو البصير؛ فكيف تركتم عبادة من يبصر؛ وعبدتم من لا يبصر؟ هل يستوي ذلك؟ أي: لا يستوي. أو يقول لهم: إنكم بعبادتكم الأصنام طمعتم شفاعتهم عند اللّه؛ وهم عمي وأنتم بصراء؛ فهل رأيتم أعمى يقود بصيرا في الشاهد؟ أو هل رأيتم من لا يبصر يكون دليلا لبصير؟ فإذا لم تروا ذلك؛ فكيف طمعتم من الأصنام ذلك. وقال أهل التأويل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}: الأعمى: الكافر، والبصير: المؤمن. {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}. الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان. ووجه قولهم؛ حيث شبهوا الكفر بالظلمة، والإيمان بالنور؛ لأن الظلمة تحجب وتستركل شيء، والنور يرفع ذلك الحجاب وذلك الستر؛ فالإيمان له دلائل وحجج؛ ترفع تلك الحجب والستر؛ فينور له كل شيء. والكفر ليى له حجج ودلائل ترفع ذلك؛ فهو ظلمة لم يضئ له شيئًا، والإيمان نور؛ حيث أضاء له، ونور كل شيء له بالدلائل والحجج التي ذكرنا. فصار الكافر كالأعمى لا يبصر شيئًا؛ لأنه في الظلمة، والمؤمن كالبصير؛ لأن معه الدلائل والحجج. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَمْ جَعَلُوا للّه شُرَكَاءَ}. أي: بل جعلوا للّه شركاء في العبادة؛ بعد ما علموا أنهم لا يملكون لهم نفعًا إن عبدوها ولا ضرًّا إن تركوا العبادة لها. وقوله: {خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}. أي: خلق هَؤُلَاءِ الأصنام؛ التي عبدوها وأشركوها في ألوهيته؛ كخلق اللّه؛ فتشابه عليهم خلقه من خلق الأصنام؛ أي: عرفوا أنها لم تخلق شيئًا كما خلق اللّه؛ فكيف أشركوا هذه الأصنام في عبادة اللّه وألوهيته؛ وهم كأنهم قد أقروا أن اللّه هو خالق كل شيء. وهذا ينقض على المعتزلة قولهم؛ حيث قالوا: إن اللّه لم يخلق أفعال العباد ولا يقدر على خلقها؛ فإذا كان اللّه لم يخلقها؛ فهم خلقوها - على زعمهم - فيكون موضع تشابه الخلق عليهم - على قولهم - فيدل على بطلان قولهم وفساد مذهبهم. واللّه الموفق. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلِ اللّه خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} في السماوات والأرض {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}. أي: كل شيء دونه تحت قدرته وقهره وسلطانه، والأصنام التي تعبدونها مقهورة مغلوبة. |
﴿ ١٦ ﴾