٢٢وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ... (٢٢) قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبر: هو كف النفس وحبسها عما تهواه؛ على ما تكره ويثقل عليها. ثم يحتمل كفها وحبسها عن الجذع في المصائب، وعلى أداء ما افترض اللّه عليهم وأمرهم بها، أو كفوا أنفسهم وحبسوها عن المعاصي، يكون الصبر على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا. واللّه أعلم. وقوله: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} يحتمل وجهين. يحتمل: ابتغاء رضوان اللّه. ويحتمل: ابتغاء وجه يكون لهم عند اللّه، وهو المنزلة والرفعة، ولذلك سمي الرفيع وذو المنزلة: وجيهًا كقوله: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}، أي: ذو منزلة ورفعة في الدنيا والآخرة. وعلى ذلك يخرج قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه}، أي: ثَمَّ الجهة التي أمر اللّه أن يتوجه إليها، فعلى ذلك هذا {صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} أي: ابتغاء المنزلة والرفعة التي عند ربهم؛ أو ابتغاء رضوان اللّه ومرضاته واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}. أي: داموا على إقامتها؛ ليس أنهم أقاموا مرة ثم تركوها؛ ولكن داموا على إقامتها، وعلى ذلك قوله: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، أي: دوموا على إقامتها. ويحتمل قوله: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} أي: جعلوها قائمة أبدًا. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}. يحتمل كل نفقة: الصدقة والزكاة وما ينفق على عياله وولده، {سِرًّا وَعَلَانِيَةً} أي: ينفق في كل وقت؛ سرا من الناس وعلانية منهم أي: ينفق على جهل من الناس؛ وعلى علم منهم؛ ينفقون على كل حال؛ لا يمنعهم علم الناس بذلك عن الإنفاق، بعد أن يكون ابتغاء وجه ربهم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}. أي: يدفعون بالحسنة السيئة، ثم يحتمل وجهين: أحدهما: يدفعون بالإحسان إليهم العداوة التي كانت بينهم؛ كقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ. . .} الآية. والثاني: يدرءون الإساءة التي كانت لهم إليهم بالخير إليهم والمعروف، ولا يكافئون بالسيئ السيئ؛ وبالشر الشر؛ ولكن يدفعون بالخير. وقَالَ بَعْضُهُمْ: في قوله: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي: إذا سُفه عليهم حلموا، والسفه سيئة؛ والحلم حسنة. {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}. أي: عقبى أُولَئِكَ الذين صبروا؛ على ما ذكر؛ من وفاء العهد والصلة التي أمروا بها أن يصلوا؛ والصبر على أداء ما أمر به وافترض عليهم؛ والانتهاء عما نهى عنه - الدار التي دعاهم إليها بقوله: {وَاللّه يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}. والثاني: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} أي: عقبى حسناتهم دار الجنة، وأُولَئِكَ لهم عقبى هذه الدار الجنة، أو عاقبتهم دار الجنة. |
﴿ ٢٢ ﴾