١٢وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ ... (١٢) وما ذكر. ووجه تسخير هذه الأشياء لنا: هو أن اللّه خلق هذه الأشياء، وجعل فيها منافع للخلق؛ تتصل تلك المنافع إلى الخلق شئن؛ أو أبين أحببن أو كرهن؛ جعل في النهار معاشًا للخلق؛ وتقلبًا فيه يتعيشون ويتقلبون، وجعل الليل راحة لهم وسكنًا، ينتفعون بهما شاءا أو أبيا، وكذلك ما جعل في الشمس والقمر والنجوم من المنافع: من إنضاج الفواكه والثمرات، وإدراك الزروع وبلوغها، ومعرفة الحساب والسنين والأشهر، ومعرفة الطرق والسلوك بها، وغير ذلك من المنافع ما ليس في وسع الخلق إدراكه، ينتفع الخلائق بما جعل فيها من المنافع شاءت هذه الأشياء أو أبت، فذلك وجه تسخيرها لنا. ويحتمل ما ذكر من تسخير هذه الأشياء لنا: ما جعل في وسعنا استعمال هذه الأشياء؛ والانتفاع بها، والخيل التي بها نقدر على استعمالها في حوائجنا. ويحتمل تسخيرها لنا: ما ينتفع بهن شئن أو أبين بالطباع. واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ}. يحتمل وجهين: يحتمل: أي: بأمره تنفع الخلائق ويحتمل {بِأَمْرِهِ}: أي: كونها في الأصل هكذا؛ بأن تنفع الخلق. واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. قال في الآية الأولى: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} جعل اللّه تعالى التفكر سبيلا للعقول إلى إدراك الأشياء المغيبة بالحواس الظاهرة؛ إذ لا سبيل للعقل إلى إدراك ما غاب عنه إلا بالحواس الظاهرة، والتفكر فيها؛ لأن ما غاب عن الحواس الظاهرة، لا يدركه العقل؛ فجعل الحواس الظاهرة سبيلا للعقول إلى إدراك المغيب عنها. ذكر - عَزَّ وَجَلَّ - في الآية الأولى: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وذكر في الآية الثانية: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، وفي الآية الثالثة: {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}، وفي الرابعة: {لَعَلَّكُمْ تشَكُرُونَ}: فهو - واللّه أعلم - كرره على مراتب؛ لأنه بالتفكر فيها يعقل ويعلم، ثم بعد العلم والعقل والفهم يتذكر، وإذا تذكر عند ذلك شكر نعمه، ثم قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و {يَتَفَكَّرُونَ} وما ذكر فيه: دلالة وحدانية اللّه تعالى، ودلالة تدبيره وعلمه وحكمته، ودلالة بعث الخلائق، ودلالة قدرته وسلطانه؛ لأن الليل والنهار يأتيان الجبابرة والفراعنة، ويذهبان بعمرهم ويفنيانه؛ شاءوا أو أبوا، فذلك آية سلطانه وقدرته؛ ليعلم أن له السلطان والقدرة، لا لهم، وفيهما دلالة البعث؛ لأنه إذا أتى هذا ذهب الآخر حتى لا يبقى له أثر، ثم ينشئ مثله بعد أن لم يبق من الأول شيء ولا أثر، فالذي قدر على إنشاء النهار أو الليل بعد ما ذهب أثره وتلاشى - لقادر على إنشاء الخلق بعد ما ذهب أثرهم. وكذلك الشمس، والقمر، والنجوم، وما ذكر: لما اتسق هذا كله على سنن واحد؛ وتقدير واحد؛ على غير تفاوت فيها ولا تفاضل، وعلى غير تقديم ولا تأخير بل جرى كله على سنن واحد، وتقدير واحد، وميزان واحد؛ من غير تفاوت أولا تفاضل، ولا اختلاف. دل أنه على تدبير واحد خرج ذلك، لا على الجزاف، وأن مدبر ذلك كله واحد؛ إذ لو كان تدبير عدد لخرج مختلفا متفاوتًا، فدل أنه تدبير واحد لا عدد، وأنه على تدبير غيرٍ خرج وجرى كذلك، لا بنفسه، وأنه على حكمة، وعلم جرى كذلك، فدل على لزوم الرسالة والعبادة له؛ فهذا - واللّه أعلم - تأويل قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. |
﴿ ١٢ ﴾