١٣

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) أي: مختلفًا أصنافه وجواهره.

يخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن قدرته، وسلطانه، ونعمه التي أنعم عليهم بها. أما سلطانه وقدرته: ما خلق في الأرض وأنبت فيها بالماء لم يرجع إلى جوهر الأرض وجنسها، ولا إلى جوهر الماء وجنسه، وهما كالوالدين: الماء كالأب، والأرض كالأم، فلم يرجع ما خرج منهما من جنسهما، ولا من جوهرهما؛ كما كان في سائر الأشياء رجع التوالد منها إلى جنس الوالدين وجوهرهما؛ بل رجع التوالد والنشوء من الأرض والماء إلى جنس البذر وجوهره؛ ليعلم قدرته وسلطانه على إنشاء الأشياء؛ بأسباب وبغير

 أسباب، ومن شيء ومن لا شيء. ويذكر نعمه: حيث أخبر أنه خلق في الأرض من الأصناف المختلفة، والجواهر المتفرقة؛ لينتفعوا بها.

ويحتمل قوله: {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} من جنس واحد؛ من شيء واحد؛ لأنه يكون من جنس واحد ألوان مختلفة، ومن قدر على إنشاء ألوان مختلفة من شيء واحد لا يعجزه شيء.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}، وفي آية: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، وفي آية {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وفي آية: {لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، و {لِلْمُتَوَسِّمِينَ}، وفي آية: {لِلْمُؤْمِنِينَ}.

فيحتمل أن يكون كله كناية عن المؤمنين؛ كأنه قال: إن في ذلك لآية للمؤمنين؛ إذ يجمع الإيمان جميع ما ذكر: من التفكر، والتذكر، والعقل، والاعتبار، والصبر، والشكر، وغيره.

ويحتمل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، و {يَعْقِلُونَ}، و {يَذَّكَّرُونَ}: أي: لقوم همتهم الفكر والنظر في الآيات، ولقوم همتهم التفهم والاعتبار فيها، لا لقوم همتهم العناد، والمكابرة، والإعراض عن النظر في الآيات والفكر فيها.

وفي ذكر الآية للمتفكرين، والعاقلين، والمتذكرين: لما منفعة الآية تكون لهَؤُلَاءِ، وإن كانت الآيات لهم ولغيرهم، فمنفعتها لمن ذكر. واللّه أعلم.

﴿ ١٣