٩

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَمْ حَسِبْتَ}.

قيل: أحسبت.

وقيل: قد حسبت.

ويحتمل بمعنى: بل حسبت، كقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}، أي: بل يقولون، فعلى ذلك قوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ}.

وقد ذكرنا في غير موضع أن حرف الاستفهام من اللّه يكون على الإيجاب والإلزام، ثم هو يخرج على وجهين:

أحدهما: على الأمر: احسب واعلم: أن أبناء الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا.

أو ما ذكرنا: بل حسبت، وهو كذلك.

أو يقول: لا تحسبن أن أصحاب الكهف والرقيم من آياتنا عجبٌ ليس أعجب منها، بك أتاك آيات أعجب منها بكثير، واللّه أعلم.

ثم اختلف في {وَالرَّقِيمِ}

وقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَالرَّقِيمِ}: الكتاب؛ كقوله: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} أي: مكتوب.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَالرَّقِيمِ}: الوادي الذي فيه كهفهم.

وقيل: {وَالرَّقِيمِ}: اللوح الذي كتب فيه أسامي الفتية.

وقيل: {وَالرَّقِيمِ}: القرية التي خرجت الفتية منها وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أنه قال: ما أدري ما الرقيم؟ لكني سألت كعبًا عنها فزعم أنها القرية التي خرجوا منها.

وقيل: {وَالرَّقِيمِ}: الكلب الذي كان معهم.

قالوا أمثال ما ذكرنا، وليس بنا إلى معرفة الكهف والرقيم حاجة، إنما ذلك بلسانهم ولم يسألوا عن الكهف والرقيم، وإنما سألوا عن أصحاب الكهف والرقيم مما ينبغي لهم أن يشتغلوا به.

ثم قال أهل التأويل: إن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سئل عن قصة أصحاب الكهف والرقيم وأنبائهم، فقال: أخبركم غدًا ولم يستثن، فعاقبه اللّه فيه أن حبس عنه الوحي كذا وكذا يومًا، فنزل: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللّه).

لكن ذلك فاسد، وما توهموا على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - محال؛ لأنه كذب لا يجوز أن يكون رسول اللّه يقول: (أخبركم غدًا) واللّه لم يأمره بذلك، أو قال ولم يستثن؛ فيحبس اللّه الوحي عنه، ولا يخبرهم في الوقت الذي قال إنه يخبرهم؛ فيظهر كذبه عندهم بعدما اختاره لرسالته، واصطفاه لموضع وحيه، ثم يكذبه فيما أخبر؛ هذا فاسد محال غير محتمل ما توهموا به على اللّه وعلى رسوله، قد كان من كفار مكة السعي في منع رسول اللّه عن تبليغ الرسالة إلى الناس، والحيلولة عن الدعاء إلى ما أمر أن يدعوهم، واستقبال حججه وبراهينه بتمويهاتهم، وقد ذكر في غير قصة وخبر: أنهم سألوا اليهود عنه، وعن نعته: هل تجدون نعته في كتبكم؟ أن لم يكونوا أهل كتاب يعلمون ذلك؛ فاحتاجوا إلى من يعلمهم ويخبرهم عنه، فسألوا يهود المدينة عنه وعن خبره، فقالوا: نجد نعته في كتابنا كما يقولون، فهذا وقت خروجه وأوانه، فقالوا لهم: حدثونا بشيء نسأله لا يعلمه إلا نبي، فقالوا: سلوه عن ثلاث خصال، فإن أجابهن، فهو نبي، وإلا فهو كذاب، اسألوه عن أصحاب الكهف، واسألوه عن ذي القرنين فإنه كان ملكًا، وكان من أمره كذا وكذا، واسألوه عن الروح، فإن أخبركم فهو نبي، وإن لم يخبركم فهو كذاب، فسألوه، فأخبرهم عن ذلك.

وفي بعض القصة: اسألوه عن الروح، فإن أخبركم عنه، فهو ليس بنبي وإن لم يخبركم، ولكنه وكل أمره إلى اللّه فهو نبي.

ثم قوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}:

يحتمل أن يكون الخطاب وإن كان لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فالمراد به غيره، على ما خاطبه في غير آي من القرآن والمراد به غيره.

ويحتمل أن الخطاب له والمراد هو، وإن كان هو المخاطب بهذا، فإنه يحتمل قوله: {أَمْ حَسِبْتَ. . .} إلى آخره وجهين:

أحدهما: يقول: قد حسبت أن أنباءهم وأخبارهم كانت من آياتنا لرسالتك ونبوتك

 عجبًا؛ فيكون الحساب على هذا التأويل في موضع العلم واليقين، كأنه قال: قد علمت أن أنباء أصحاب الكهف وأخبارهم آية عجيبة لرسالتك.

والثاني: إخبار عن أحوالهم وتقلبهم من حال إلى حال، فإن كان على هذا، فيكون الحسبان في موضع الحسبان، كأنه قال: قد حسبت أن أحوالهم وتقلبهم كان من آياتنا عجبًا، هذا إذا كان الخطاب به لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأمَّا إذا كان الخطاب به لغيره، فإنه يجوز على الحسبان والظن وغيره، واللّه أعلم.

﴿ ٩