٨٠وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) اختلف في سن ذلك الغلام: قَالَ بَعْضُهُمْ: كان ذلك الغلام كبيرًا بالغًا، والعرب قد تسمي الرجل البالغ الذي لم يلتح بعد - أولم تستو لحيته - غلامًا؛ لقربه بوقت البلوغ، ولذلك قال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}، والصغير مما لا يقتل إذا قتل نفسا بغير حق؛ فلو كان صغيرًا لم يكن لقول موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} معنى، وهو كما روي عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: " إنَّ أَيْمَانَكُم تحقنُ دِماءكم " إذا ظهر منهم الدَّم وكقوله: " لولا الأَيْمَانُ لَكَان لي وَلَهَا شَأنٌ " إذا ظهر منها الزنا، فعلى ذلك قوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}: لو كانت محتملة القتل بالنفس، واللّه أعلم. ثم اختلف في سبب قتل ذلك الغلام: قَالَ بَعْضُهُمْ: قتله؛ لكفره، كان كافرا، وكذلك في حرف أبي بن كعب: (وأمَّا الغلام فكان كافرًا)؛ ألا ترى أنه قال: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}: دل هذا أته كان بالغًا كافرًا؛ إذ لو لم يكن كافرًا لم يلحق والديه منه الطغيان والكفر. وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنما قتله؛ لأنه كان لصًّا قاطع طريق؛ يقطع الطريق على الناس ويأخذ أموالهم. وعلى قول من يقول: إنه كان صغيرًا، قتله؛ لأنه علم أنه لو بلغ كان كافرًا، واللّه أعلم بذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك السبب الذي قتله - حاجة، ولا أنه كان صغيرا أو كبيرا؛ لأنه أخبر أنه إنما قتله بأمر اللّه لا من تلقاء نفسه؛ حيث قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}، ولكن إنما فعلته بأمر اللّه، وللّه أن يأمر عبدًا من عباده بقتل الصغير على ما له أن يميته وعلى ما يأمر ملك الموت بقبض أرواح الخلق؛ فعلى ذلك له أن يميته على يدي آخر، وأن يقبض روحه؛ إذ له الخلق والأمر. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}. ليس هو الخوف، ولكن العلم، أي: علمنا أنه يرهقهما طغيانًا وكفرا، وكذلك ذكر في حرف أُبي. فَإِنْ قِيلَ: كيف احتج على قتله وإهلاكه بما علم أنه يلحق أبويه منه الطغيان والكفر، وقد ترك، إبليس وجنوده يعيشون إلى آخر الدهر، على علم منه أنهم يحملون الناس على الطغيان والكفر، ويرهقونهم أنواع المعاصي والفواحش؟! وكذلك هَؤُلَاءِ الظلمة الذين لا يكون منهم إلا كل شر وجور على الناس ثم تركهم على علم منه بما يكون منهم؟! فما معنى الاحتجاج في قتله وإهلاكه بما ذكر من إرهاق الطغيان والكفر بالوالدين؟! قيل: لهذا جوابان: أحدهما: أن اللّه - تعالى - قد يمتحن البشر بمعان وعلل وأشياء، تحملهم تلك المعاني والأشياء على الرغبة والحث فيما امتحنهم، وإن كان له الامتحان لا على تلك المعاني والعلل، نحو ما امتحنهم بأنواع العبادات والطاعات بثواب وجزاء ذكر لهم فيها لو فعلوا، وإن كان له الامتحان بذلك على غير ثواب ولا جزاء، وكذلك العقوبات وغير ذلك من المحن؛ فعلى ذلك الأول. والثاني: ذكر هذا لتطيب به أنفسهم؛ إحسانا منه إليهم، وإنعامًا عليهم؛ إذ له أن يميتهم صغارًا وكبارًا، وعلى ذلك يخرج قوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللّه الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ. . .} الآية. وقد وسع على كثير من الخلق، وكذلك قوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً. . .} الآية، وقد جعل لكثير من الخلق ذلك، لكن هذا لما له أن يفعل ذلك للكل، فمن لم يفعل ذلك له إنما لم يفعل إحسانًا منه وإفضالا؛ فعلى ذلك الأول إنما ذكر ما ذكر إحسانًا منه وإفضالا، واللّه أعلم. |
﴿ ٨٠ ﴾