٨٢

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا ... (٨٢)

اختلف في ذلك الكنز:

قَالَ بَعْضُهُمْ: كان ذلك الكنز مالا كنزه أبوهما.

قال ابن عَبَّاسٍ: حفظ؛ لصلاح أبيهما، ما ذكر منهما صلاح.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: كان ذلك الكنز مصحفا فيها علم.

قال أبو بكر الأصم: لا يحتمل على أن يكون علمًا؛ لأن العلم مما يعلمه العلماء ويشترك الناس فيه؛ فلا يحتمل أن يحفظ ذلك لهما دون الناس؛ فإن ثبت وحفظ ما روي في الخبر فهو مال وعلم.

وروي عن ابن مالك قال: قال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " كَانَ تَحْتَ الجِدَارِ الذِي قال اللّه فِي كِتَابِهِ {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} ولَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ: بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، عَجِبتُ لِمَنْ أيْقَنَ بِالمَوتِ كيفَ يفرح وَعَجِبتُ لمن أَيْقَنَ بالقدر كيفَ يحزَنُ؟! وعَجِبت لمن أَيْقَنَ بِزَوَالِ الدُّنْيَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيهَا؟! لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، مُحَمَّد رسول اللّه " فإن حفظ هذا عن رسول اللّه ففيه مال وعلم؛ لأن اللوح من الذهب مما يكثر ويعظم قدره، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة، واللّه أعلم.

وقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}.

أي: نعمة من ربك وإحسانًا عليهما؛ إذ كان له ألا يحفظ ذلك لهما، ولا يوصله إليهما على ما لم يعط لكثير من اليتامى والمساكين شيئًا من ذلك، لكن ذلك منه إليهما فضل وإنعام ورحمة عليهما، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}.

هو ما ذكرنا أنه أخبر عن أمر اللّه فعل ما فعل، لا عن أمر نفسه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}.

أي: تأويل ما قلت لك في بدء الأمر: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، ثم لا يحتمل أن

 يكون موسى حيث أمر بالذهاب إلى ذلك الرجل والاتباع له والصحبة معه؛ ليتعلم منه العلم، فلم يستفد منه إلا علم ما أنكر عليه، وسبب حل ذلك له؛ إذ كان ذلك بإنكار ما أنكر عليه من الأفعال التي هي في الظاهر منكرة، لكن جائز أن يكون استفاد منه علومًا كثيرة سوى ذلك، لكنه لم يذكر لنا ذلك، واللّه أعلم.

وقول أهل التأويل: اسم الغلام الذي قتله صاحب موسى " خشنوذ " أو لا أدري ماذا؟ ووالداه: اسمهما كذا، لا نعلم ذلك، وليس لنا إلى معرفة أساميهم حاجة، وكذا اسم الغلامين اليتيمين صاحبي الجدار: أصرم وصريم، ولا أدري ماذا؟ ولا حاجة بنا إلى ذلك.

وقولهم: كان صاحب موسى خضرا، وأنه إنما سمي: خضرًا؛ لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت؛ فذلك -أيضًا- مما لا يعلم إلا بالخبر عن الوحي - وحي السماء - فلا نقول فيه إلا قدر ما ذكره الكتاب؛ فإنه يخرج ذكره مخرج الشهادة على اللّه من غير حصول النفع لنا في ذلك عمل أو غيره، وليس في الكتاب إلا ذكر عبد من عبادنا، وذكر الغلام، وذكر الفتى، وذكر غلامين يتيمين في المدينة، وأمثاله يقال ما فيه ولا يزاد على ذلك؛ مخافة الشهادة على اللّه بالكذب، واللّه أعلم.

﴿ ٨٢