٨٣

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}.

في الآية دلالة أن الآية نزلت على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يسأل هو عن خبر ذي القرنين؛ لأنه قال {وَيَسْأَلُونَكَ}، ولم يقل: " سألوك "، والخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني يدل على ذلك، أيضًا؛ لأنه روى أن نفرًا من أهل الكتاب جاءوا بالصحف والكتب، فقالوا لي: استأذن

 لنا على رسول اللّه: لندخلن عليه؛ فانصرفت إليه فأخبرته بمكانهم؛ فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا لي وَلَهُم يَسألُونَ عما لا أعلمُ، إنما أنا عبد لا علم لي إلا ما علمني ربي "، ثم قال: " أَبغني وضوءًا أتوضأ به "، فتوضأ، ثم قام إلى مسجد في بيته، فركع فيه ركعتين، فما انصرف حتى بدا لي الشرور في وجهه، ثم قال لي: " اذهب فأدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي "، فأدخلهم فلما رآهم النبي قال لهم: " إن شئتم أخبرتكم كما تجدونه في كتابكم "؛ فهذا إن ثبت يدل أنه نزل عليه نبأ ذي القرنين وخبره قبل أن يسأل.

وأما أهل التأويل قالوا جميعًا: إنه سئل قبل أن ينزل عليه خبره، ثم نزل من بعد السؤال، واللّه أعلم.

ثم اختلف فيه:

قال الحسن: كان نبيَّا، دليله: ما قال: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}؛ قال: هذا تحكيم من اللّه إياه فيما ذكر، ولا يولي الحكم إلا من كان نبيًّا.

وأما علي بن أبي طالب فإنه سُئل عن ذلك: كان نبيا أو ملكًا؟ فقال: لا واحد منهما.

وقال غير هَؤُلَاءِ: إنه كان ملكا؛ يدل على ذلك الخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني: أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سئل عن خبره وبنائه، قال: فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " كان غلامًا من الروم أعطي ملكا فسار حتى بلغ كذا. . . "، على ما ذكر في الخبر، والأشبه أن يكون أنه كان ملكا؛ ألا ترى أنه

﴿ ٨٣