٨٤

قال: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (٨٤)

أي: ملكنا له الأرض له جملة، ذكر تمكين الأرض له جملة يصنع فيها ما يشاء، لم يخص له ناحية منها دون ناحية، وليس كقوله: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا. . .} الآية. وكقوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ}: هاهنا خص مكانا لهم دون مكان، وأما في ذي القرنين ذكر التمكين له في الأرض، لم يخص ناحية منها دون ناحية؛ فهو أن ملكه ومكنه الأرض كلها.

وقول الحسن: إنه حكمه وولى له الحكم - فهذا لا يدل أنه كان نبيًّا؛ لأن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو في ذلك الزمان؛ ألا ترى إلى قوله: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه}: أن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو والقتال في ذلك مع العدو فعلى ذلك هنا.

وقوله: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ}، وأما من آمن كذا: يحتمل هذا منه إلهام من اللّه - تعالى - أو تعليم الملك الذي كان فيه، أو كان معه نبي فأخبر له بذلك، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}.

اختلف في ذلك:

قَالَ بَعْضُهُمْ: علم المنازل: أي: منازل الأرض ومعالمها وآثارها.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: العلم والقوة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: أعطاه السبب الذي به صلاح ما مكن له، وملك له مما يقع له الحاجة إليه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذلك السبب كان أنعامًا: كان عليها يحمل الخشب، فيتخذ منه سفينة إن استقبله بحر، فيعبر بها، ثم ينقضها ويحمل الخشب على الأنعام ويعبر البر على الدواب، فذلك السبب الذي ذكر.

وأصله: أنه ذكر أنه أتاه السبب الذي به صلاح ما مكن له وملك عليه، ولم يبين ما ذلك السبب؛ فلا ندري ما أراد بذلك؟ واللّه أعلم.

﴿ ٨٤