سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

وهي كلها مَكِّيَّة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}.

قال الحسن: أي: محاسبتهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}.

ظاهر هذا أنه نزل في المشركين؛ لأنها نزلت بمكة وكان أكثر أهلها أهل شرك، لكن لأهل الإسلام في ذلك حظ وشرك فيما وصفهم بالغفلة عن ذلك والإعراض عنه، وأهل الإسلام قد يغفلون عن الحساب إلا أن غفلة الكفرة غفلة تكذيب وإعراضهم إعراض تكذيب بالحساب والآيات التي أنزلها عليهم، وغفلة أهل الإسلام ليست كذا، قد آمنوا بالحساب وصدقوا بآياته وعرفوها، لكنهم غفلوا عن الحساب؛ لشهوات مكنت فيهم وغلبت شهواتهم وأغفلتهم عنه، فمن هذه الجهة كانوا كأُولَئِكَ، فأما من جهة الإيمان به والتصديق بالآيات فليسوا كأُولَئِكَ.

ثم وصف الحساب والساعة بالقرب والدنو والإتيان؛ كقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}،

وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللّه}، و {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} وأمثاله: هي قريبة كالماهية عند اللّه؛ لأن اللّه تعالى عرف جملة الأوقات فهي في جملة ما عرف قريبة كالماهية، وأما الخلق فإنهم قد استبعدوها؛ لأنهم إنما يقدرون ذلك بآجالهم وأعمارهم وما جاوز أعمارهم، فهو عندهم بعيد ليس بقريب، وهذا إنما يكون بعد ذهاب أعمارهم.

وقال قتادة: ذكر أنه لما نزلت هذه الآية {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}، و {أَتَى أَمْرُ اللّه فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، قال ناس من أهل الضلال: يزعم هذا الرجل أن الساعة قد اقتربت

 فتناهوا قليلا، ثم عادوا إلى أعمالهم، وكذلك قالوا في قوله: {أَتَى أَمْرُ اللّه}، تناهوا عنها، ثم لما تأخر ذلك عنهم عادوا إلى ما كانوا من قبل؛ هذا لأنهم فهموا من قرب الساعة وإتيان أمره وقتًا يقرب ومدة تدنو، فلما مضى ذلك وقع عندهم أن الخبر كذب فكذبوه؛ لأنهم إنما قدروه بآجالهم وما عرفوا هم من القرب والدنو.

وقوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} ما ذكرنا من غفلة تكذيب وإعراض، تكذيب بعد ما عرفوا أنها آيات، واللّه أعلم.

﴿ ١